باتت
الإقامة في أي بلد يلجأ إليه السوريون أداة لحفظ بقائهم فيها، فلم يعد بإمكانهم التحرك دون تصريح إقامة نظامية في بلاد اللجوء التي كانت تعفي السوريين من تأشيرة الدخول أو إذن الإقامة.
جمهورية
مصر العربية، إحدى الدول التي لجأ إليها السوريون منذ بداية الثورة السورية.. لكن بعد الانقلاب في مصر بأيام، تم فرض تأشيرة دخول على السوريين، وأصبح السوريون المقيمون فيها غير قادرين على الخروج والدخول إليها مرة أخرى إلا إذا كانوا يملكون إقامات دراسية أو إقامات عمل، بالإضافة إلى تلك التي تُمنح لرجال الأعمال السوريين، أما الإقامة السياحية وإقامة الكرت الأصفر التي تتولاها مفوضية
اللاجئين فهما لا ينفعان إلا للبقاء داخل مصر.
يقول سوريون في مصر إن المشكلة الأساسية في مصر هي التشديد على استخراج الإقامات في قسم الهجرة والجوازات، وعلى التدقيق الذي يتبعه الموظفون المصريون هناك بحجة انتشار التزوير.
ويشتكي السوريون من المعاملة السيئة والكلام الجارح الذي يتعرضون له هناك، لكن إلى من يشتكون على هؤلاء الموظفين؟
"ارجعوا على بلدكم لو مش عاجبكم"، هذه الجملة التي تقال لأي سوري في حال اعترض على تصرف أحد الموظفين هناك، أو في حال قرر الموظف أن يغلق نافذته بوجه المتدافعين قبل انتهاء موعد الدوام الرسمي بساعة، فترى كبار السن والمرضى والأطفال وهم يعودون خائبين بعد يوم تدافع مضنٍ، وهكذا تأخذ الإقامة أو تجديدها أسابيع من العناء.
أما الإقامات الدراسية فلا يحصل عليها إلا من لديه أطفال في المدارس أو الجامعات، مما يعني حرمان من ليس لديه أطفال من حرية الدخول والخروج.
لكن لم تعد أهمية الإقامات تقتصر على ذلك، بل باتت حرية الحركة داخل مصر مناطة فيها، فإذا ما ذهبت لاستلام حوالة بنكية وليس لديك إقامة فلن يتم تسليمها لك، ولن تستطيع التنقل بين محافظة وأخرى، وكذلك الأمر بالنسبة لدخول المراكز الطبية والمستشفيات، حتى إن كان أحدهم في وضع صحي حرج جداً، فلن يتمكن من الدخول ما لم يكن يملك إقامة سارية المفعول على الأراضي المصرية، كما يقول مقيمون سوريون.
فمنذ أيام، كتب الممثل السوري "عامر السبيعي" المقيم في مصر عما حدث معه، قائلاً: "لقد حان موعد ولادة زوجة ابني، وهي في المخاض أخذوها للمشفى في الإسكندرية، حتى تضع مولودها، ولكنهم رفضوا استقبالها بحجة أنه ليس لديهم إقامة. وتابع: "بالله عليكم ما علاقة الإقامة في الحالات الإنسانية؟ هل فقدت الرحمة من قلوبكم، أم إن اللاجئ السوري غدا عالة عليكم تريدون التخلص منه؟".
وقبل ذلك، تم ترحيل شبان لأنهم لم يتمكنوا من تجديد إقاماتهم بسبب انتهاء مدة
جوازات سفرهم، دون أن يتمكنوا من تجديد الجوازات بسبب رفض النظام السوري.
من جهته، يروي بشار لـ"عربي21"، الأب لأربعة أطفال، أن السلطات المصرية أوقفته في الشارع، وعند سؤاله عن إقامته تبين أنها منتهية الصلاحية، كما أن جواز سفره لم يبق له سوى شهرين قبل أن تنتهي صلاحيته، مما أدى إلى اقتياده للأمن العام الذي أصدر بدوره قراراً بترحيله إلى تركيا.
ويضيف لـ"عربي": "تركت زوجتي، وهي في الثلاثين من عمرها، وأربعة أطفال، أكبرهم في الثانية عشر من عمره، في مصر، وسافرت إلى تركيا لأسلك طريقاً آخر للرزق، دون أن أدري ما تخبئه الأيام لأسرتي".
وتطالب مفوضية اللاجئين جميع اللاجئين السوريين بعمل إقامات على الكرت الأصفر الذي تصدره المفوضية، لكن المشكلة تكمن في أن إقامة الكرت الأصفر لا تحمي السوري من الترحيل إن قررت الحكومة المصرية ذلك. من جهة أخرى، فإن إقامة الكرت الأصفر تطبع على الجواز كلمة "لاجئ"، مما يعني استحالة التعامل مع السفارة السورية في حال احتاج صاحب الجواز لأي ورقة أو لتصديق أي شهادة من القنصلية. وإقامة الكرت الأصفر أيضاً؛ تفرض على السوري حظر سفر من مصر إلا بعد شهر من إغلاق ملفه لدى المفوضية، وإذا اضطر للسفر بشكل مفاجئ من مصر فإنه لن يستطيع إن كان ملفه مفتوحاً لدى المفوضية.
أما الإقامة السياحية فتمنح لمدة ستة أشهر غير قابلة للتجديد، مما يترك السوري عرضة لأن يلجأ إلى سماسرة الإقامات. لكن الحصول على إقامة بهذه الطريقة سيعرض حاملها في حال تم القبض عليه للترحيل فوراً، وإذا كان جواز سفره منتهي الصلاحية فقد يرحل إلى
سوريا.
فقضية الإقامة في مصر تشكل كابوساً يراود آلاف السوريين الذين ينتظرون الحصول عليها، وآخرون معتكفون في منازلهم خشية إلقاء القبض عليهم لانتهاء إقامتهم.
هذه الحالة دفعت بأعداد كبيرة للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، فغرق كثير منهم في البحر، أما من يقبض عليه في مصر قبل بدء رحلته فيكون مصيره السجن في ظروف مزرية.