هادي العبد الله: لعلَّ السمة المميّزة للثورة السورية هذا العام هي انتقالها من ثورة شعب مظلوم ضد نظام مجرم وطاغية مستبد إلى ثورة شعب ضد العالم.
لم أكن أؤمن كثيراً بنظرية المؤامرة بل وأكرهها وأتعجب من أولئك الذين يرمون بأخطائهم وكل ما يحصل معهم على المؤامرة، لكن ما حدث مع الشعب السوري طيلة أربع سنوات شداد مليئة بالموت والقهر والظلم، جعلني أغيّر نظرتي.
ثار الشعب السوري قبل نحو أربعة أعوام ليطالب بحقه الطبيعي بالحرية والكرامة، فواجهه نظام
الأسد بالقتل والإجرام وأوغل بارتكاب المجازر بحق مدنيين عزّل، وثقتها عدسات الناشطين السوريين.
خلال الشهور الستة الأولى من عمر الثورة، لم تكن بأيدي الثوار السوريين قطعة سلاح واحدة باعتراف الأسد نفسه حين قال: "بدأوا (يقصد الثوار) في حالة الثورة الشعبية حتى رمضان (آب/ أغسطس 2011) ثم بدأوا بالعمل المسلح"!
بعد عشرات المجازر بحق المتظاهرين والمدنيين وإطلاق الرصاص المباشر والقنابل المسمارية على المتظاهرين السلميين واختطاف المئات من السوريين والسوريات، تسلح الثوار السوريون كردة فعل طبيعية ليدافعوا عن أنفسهم وأهلهم، وخاضوا معارك الدفاع عن النفس، واستطاعوا رغم عدم توازي القوى تحرير أجزاء واسعة من أراضيهم من احتلال قوات الأسد لها، ترافق ذلك مع موجات انشقاق واسعة فرادى وجماعات في صفوف جيش الأسد من قبل أحرار رفضوا أن يطلقوا النار على أهلهم.
تطورت المعارك واشتدت ورجحت كفة أصحاب الحق والأرض، فأصبح نظام الأسد في مأزق كبير وأدرك أن نهايته بدأت بل واقتربت، فبدأ يستعين بقوات وميليشيات عابرة للدول والقارات!
استعان بداية بميليشيا «
حزب الله « اللبناني فخاضت المعارك نيابة عنه في مدن قصير حمص وقلمون دمشق وبشكل علني لتنتشر بعدها في كافة أرجاء
سوريا!
ثم تدخلت بعد ذلك الميليشيات العراقية على اختلاف أسمائها وتنظيماتها في الحرب السورية، وشاركت بقتل السوريين بإشراف وأوامر نظام الأسد!
صمد السوريون بوجه الأسد ومجازره وأعوانه، وانتصروا عليهم جميعاً بصمودهم فهم أصحاب الحق والأرض.
استمرت الثورة ومعاركها رغم صمت العالم وتخاذله ليجد نظام الأسد نفسه في موقف محرج مجدداً؛ فجيشه بدأ بالانهيار، وحلفاؤه استنزفوا ولم يكن هناك سبيل لإنقاذه وبقائه إلا بتدخل داعمه الأكبر (
إيران) عسكرياً، وبشكل مفضوح في الحرب السورية.
أضحى الإيرانيون هم أصحاب القرار على الأرض وبات ضباطهم هم المتحكمون بالقرار، فلك أن تتخيل مثلاً أن السفير الإيراني في دمشق هو من يقود المفاوضات العسكرية على الأرض، وجنرالات الحرس الثوري الإيراني هم من يقود المعارك في معظم أنحاء سوريا.
انظر إذا شئت الآن إلى جبهات حلب ودرعا ثم نقل ناظريك على أطراف القلمون والغوطة، ستجد أن أغلب من يقاتلون ويقتلون السوريين هم أجانب (إيرانيون وأفغان… لبنانيون وعراقيون).
كل ذلك والعالم صامت أخرس يتفرج، وكلما قام بمحاولة خجولة لإيقاف شلالات الدماء السورية وجد (الفيتو الروسي) بوجهه يحمي المجرم من الوقوف أمام محكمة الجنايات الدولية، التي طالبت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بإقامتها أكثر من مرة! بل وتبرر موسكو ومن خلفها صمت العالم للأسد قتل من يشاء من السوريين وكيفما يشاء، حتى تجاوز عدد شهداء ثورتنا اليتيمة ربع المليون شهيد. لم يقتلهم نظام الأسد وحلفاؤه الطائفيون فقط، بل شارك في قتلهم كل العالم عندما صمت عن تدخل حلفاء الأسد في المجزرة السورية.
نجد مما سبق كله أن ثورة سوريا انتقلت من ثورة شعب ضد طاغية مستبد إلى ثورة تواجه العالم كله.
تواجه عسكرياً حلفاً كاملاً يمتد من ميليشيا حزب الله اللبناني في لبنان إلى نظام الأسد في سوريا، إلى الميليشيات الطائفية في العراق إلى إيران، وتواجه أيضا تخاذلاً (يصل إلى درجة التآمر) من قبل كل دول العالم.
وهي رغم كل ذلك صامدة صابرة مستمرة، نذرت على نفسها أن تستمر حتى تحقق كل أهدافها، وأن تدافع عن بلدان العرب ضد محتل أضحى قريباً من رقابهم جميعاً، لاسيما وقد سيطر على اليمن بعد لبنان والعراق.
فهل سيستفيق العرب لهذا الخطب المحيط بهم؟! أتمنى ذلك من كل قلبي وإن كنت أعوّل أكثر على صمود الشعب السوري العظيم وعلى ثورته المحقة، فثقتي مطلقة أن هذه الثورة العظيمة التي صمدت طيلة أربعة أعوام ستكمل مشوارها حتى تحقق كل أهدافها.
(عن صحيفة القدس العربي 20 آذار/ مارس 2015)