كتاب عربي 21

بوادر صراع بين أردوغان والحكومة أم ماذا؟

1300x600
تصريحات رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان حول عملية السلام الداخلي، قبيل تلاوة رسالة زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في احتفالات عيد النوروز بمدينة دياربكر، فجَّرت أزمة في صفوف حزب العدالة والتنمية، وأثارت تساؤلات حول حقيقة الخلاف بين أردوغان والحكومة، ومدى عمقه وتأثيره على مستقبل الحزب الحاكم.

الأزمة بدأت حين أعرب أردوغان قبيل مغادرته لزيارة أوكرانيا عن استيائه من مساعي تشكيل هيئة لمراقبة عملية السلام الداخلي. وفي طريق عودته إلى تركيا أعرب أيضا عن استيائه من الظهور العلني المشترك في مكتب رئيس الوزراء بقصر دولماباهتشه في إسطنبول، لكل من نائب رئيس الوزراء يالتشين أكدوغان ونواب أكراد من حزب الشعوب الديمقراطي. ورد عليه بولنت أرينتش بصفته نائب رئيس الوزراء والناطق باسم الحكومة، ووصف تصريحات أردوغان بأنها "عاطفية" و"آراء شخصية"، مؤكدًا أن الحكومة هي التي تجري عملية السلام الداخلية وهي المسؤولة عن هذه القضية.

لهجة أرينتش في الرد على تصريحات أردوغان كانت مفاجئة وتحمل ملامح التمرد على رئيس الجمهورية، ما دفع أنصار حزب العدالة والتنمية إلى الانقسام بين مؤيد لهذه اللهجة ومعارض لها. ولكن رد مليح غوكتشك، رئيس بلدية العاصمة أنقرة، على تصريحات أرينتش كانت أشد منها، حيث كتب في حسابه بموقع "تويتر" تغريدات قال فيها: "بولنت أرينتش، لا نريدك"، ودعا فيها أرينتش إلى الاستقالة، متهما إياه بإثارة الفتنة في صفوف حزب العدالة والتنمية تلبية لتعليمات الكيان الموازي، كما أنه طالب رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو بعزل أرينتش من منصبه، لافتا إلى انتماء زوج بنت أرينتش إلى جماعة كولن.

وبعد هذه التغريدات المثيرة، رد أرينتش على غوكتشيك بلهجة صادمة غير مسبوقة، واتهمه بالتعاون مع جماعة كولن خلال ترشحه لرئاسة بلدية أنقرة، وقال إنه يسعى إلى ضمان ترشيح نجله في الانتخابات البرلمانية ضمن قوائم حزب العدالة والتنمية.

بولنت أرينتش أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية ومن أقطاب الحزب الحاكم، ولكنه لن يترشح في الانتخابات البرلمانية بسبب المادة التي تحظر الترشح لأكثر من ثلاث فترات متتالية، ما يعني أنه سيتقاعد بعد حوالي شهرين. وهو متعاطف مع جماعة كولن، إلا أنه لا ينكر نفسه هذا التعاطف ولا يخفيه. وأما غوكتشيك فأحد ذئاب السياسة التركية ويتولى رئاسة بلدية أنقرة منذ 27 آذار/ مارس 1994، أي إنه منذ 21 عاما يشغل منصب رئيس بلدية العاصمة.

وفي تعليقه على المشاحنات الكلامية التي حدثت بين أرينتش وغوكتشيك، أكد رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، أن كليهما ارتكبا خطأ وستتم محاسبتهما وفقا للأنظمة الداخلية لحزب العدالة والتنمية.

هذه الأزمة الأخيرة لها أبعاد وخلفيات وتداعيات مختلفة، والخلاف بين الحكومة ورئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان حول أسلوب التعاطي مع عملية السلام الداخلي يختلف عن الاتهامات المتبادلة بين أرينتش وغوكتشيك، لأن هذه الأخيرة ليست ببعيدة عن تطلعات النفوس والخلافات الشخصية بين سياسيين اقترب موعد انسحابهم من المعترك السياسي ليتركوا الساحة للشباب.

عملية السلام الداخلي أطلقها أردوغان حين كان رئيسا للوزراء وتحمل مسؤولية السير في هذا الطريق المحفوف بالمخاطر، ولا يمكن أن يكون موقفه من عملية السلام الداخلي سلبيا على الإطلاق. ومن الطبيعي أن تختلف الآراء ووجهات النظر، ولكن تحولها إلى ما يشبه تراشقات إعلامية بين رئيس الجمهورية والحكومة يضر بالطرفين. وقنوات التواصل بين رئيس الجمهورية والحكومة مفتوحة على مصراعيها، ومن الممكن أن يناقش أردوغان مع داود أوغلو في اللقاءات الرسمية وغير الرسمية جميع القضايا بكل أبعادها وتفاصيلها دون الحديث إلى وسائل الإعلام بأسلوب يعطي المعارضة فرصة النيل من الحكومة.

ما يحدث الآن في تركيا ليس بوادر صراع بين رئيس الجمهورية والحكومة؛ ومن يراهن على إثارة الفتنة بين أردوغان وداود أوغلو فرهانه خاسر، لأن العلاقات بين الاثنين متينة ويمكن أن يتجاوزا الخلافات بالتشاور وتغليب المصلحة العامة، دون أن يحدثا أي اصطفاف وانقسام في صفوف حزب العدالة والتنمية ومؤيدي الحكومة.