تغوص قدما العجوز
الفلسطيني حسين طبش (76 عاما) في تراب أرضه، على حدود القطاع، بينما يحرثها بفأسه الصغير، ويتخلص من بعض الحشائش الضارة المحيطة بأشجار الخضروات والموسمية والفواكه المزروعة في الأرض.
وعلى الرغم من كبر سنه والمشقة والجهد الكبير الذي يبذله أثناء العمل، إلا أن حبه للأرض (التي تبلغ مساحتها 8 آلاف متر مربع) وتمسكه بها يشعره بسعادة دائمة.
ويقضي الفلسطيني طبش برفقة زوجته زكية أبو ظريفة (64 عاما) معظم وقتهما في العمل بأرضهما، والعناية بأشجارها، وتناول الطعام فيها منذ ساعات الصباح الباكر وحتى المساء، رغم احتمال تعرضهما لخطر الموت أو الإصابة برصاص جنود
الاحتلال الإسرائيلي، لكون أرضهما قريبة من السياج الفاصل بين شرقي مدينة خانيونس.
ولا يأبه الفلسطيني العجوز وزوجته من أصوات إطلاق جنود الجيش الإسرائيلي لنيران أسلحتهما الرشاشة تجاه المناطق الحدودية، الذي يسمع بين الفينة والأخرى.
ويقول طبش: "أنا من مواليد عام 1939م، أي قبل احتلال فلسطين من قبل إسرائيل بتسع سنوات، وحضرت كثيرا من الحروب التي وقعت قبل الاحتلال وبعده، هذه الأرض أرضنا، ولن يسقط ذاك الحق بالتقادم".
ويضيف: "طوال حياتنا منذ الصغر ونحن نزرع الأرض ونقطف ثمارها، وهي مصدر رزقنا الوحيد، وعندما احتلت إسرائيل قطاع
غزة سلبتنا جزءا كبيرا من أرضنا، وبقينا نعمل في هذا الجزء المتبقي الذي لم يسلم أيضا من القصف والتجريف الإسرائيلي".
ويتابع: "لكننا رغم المضايقات الإسرائيلية المتواصلة لم نترك الأرض، وبقينا نزرعها ونفلحها، وبعد كل عملية تدمير نقوم بإصلاحها".
وخلال حديث مع المزارع الفلسطيني، ضرب فأسه في الأرض، فإذا به يصطدم بـ"عيار ناري" من العيار الثقيل، مدفون في التراب دون أن ينفجر.
ضربة الرجل العجوز الواهنة لم تؤثر في "العيار الناري" القديم المدفون في أرضه، وإلا لأدت أي ضربة قوية لانفجاره، وأصابت كل من يحيط به على بعد مترين.
وتطلق الطائرات والآليات العسكرية الإسرائيلية نيران أسلحتها الثقيلة تجاه الأراضي الفلسطينية المحاذية للحدود مع الأراضي المحتلة بشكل شبه يومي، لكن بعض الأعيرة والقذائف تسقط في الأراضي الزراعية دون أن تنفجر، ما يشكل خطرا كبيرا على حياة المزارعين.
ذلك المقذوف الإسرائيلي تخلص منه المزارع "طبش" بحذر، بإلقائه في منطقة ملاصقة للسياج الحدودي، بحيث لا يقترب منه أحد.
زوجة المزارع الغزي تنهدت بعمق، وحمدت الله؛ لأن العيار الناري لم ينفجر، وإلا لأدى لمقتل أو إصابة زوجها العجوز.
وتقول العجوز بعد أن أمسكت بفأس لتساعد زوجها: "هذه الأرض حياتنا، وماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، ولا يمكن أن نتركها بأي ثمن، ونعلم أبناءنا التمسك بها وحُبها، من خلال المحافظة عليها، وفلاحتها باستمرار".
وتضيف: "رغم مشقة العمل، وخطر إصابتنا برصاص الاحتلال، كل يوم نأتي ونفلح الأرض ونعتني بها، ولن نتخلى عنها حتى آخر يوم في عمرنا".
ويحيي الفلسطينيون، الاثنين، الذكرى الـ"39" لـ"
يوم الأرض"، الذي يصادف الـ 30 من آذار/ مارس من كل عام، بإقامة الفعاليات المختلفة والمعارض والمسيرات، للمطالبة بحقهم في استرجاع أراضيهم التي صادرها الاحتلال الإسرائيلي عام 1976.
وتعود أحداث يوم الأرض لعام 1976 عندما قُتل ستة فلسطينيين برصاص إسرائيلي، خلال مظاهرات نُظمت آنذاك، احتجاجاً على مصادرة إسرائيل لآلاف الدونمات (الدونم يساوي 1000 متر مربع) من أراضي السكان العرب وخاصة في منطقة الجليل (شمالا) ذات الأغلبية الفلسطينية، التي أعلنت إضرابا شاملا، دفع الجيش الإسرائيلي إلى اقتحامها واندلاع مواجهات مع أبنائها.