نشرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية تقريرا حول تطورات الموقف الأمريكي من الصراع السني- الشيعي المتفاقم في الشرق الأوسط، وقالت إن الولايات المتحدة وجدت نفسها مجبرة على القيام بتغييرات هامة في مواقفها، تظهر بشكل خاص من خلال المساهمة في معارك تكريت وتوجيه ضربات جوية لمساندة الجيش العراقي وحلفائه من الميليشيات الشيعية، وهو ما يعني أن موقفها المعادي لتنظيم الدولة لم يترك لها خيارا غير الوقوف في الجانب ذاته مع
إيران.
ولكن في الوقت ذاته، تشير الصحيفة إلى الدعم اللوجستي والاستخباراتي الذي تقدمه الولايات المتحدة لتحالف الدول العربية في عملية
عاصفة الحزم، التي تستهدف الميليشيات الحوثية التابعة لإيران في اليمن، وقد وصل هذا التعاون إلى درجة تشكيل غرفة عمليات مشتركة لوضع تفاصيل هذه العملية.
وقالت الصحيفة إنه في خضم هذه المواجهة واسعة النطاق التي تدور بين
السنة والشيعة في الشرق الأوسط، تتجنب الولايات المتحدة الانحياز المطلق لأي معسكر، وتتخذ مواقف غامضة ومتناقضة، وتعتمد سياسة اللعب على عدة حبال.
وأضافت لوفيغارو أن هذه السياسة الأمريكية الرافضة لإعلان الانحياز تحدث عنها المفكر الأمريكي فرانسيس فوكوياما في كتابه "المصلحة الأمريكية"، وشبهها بالسياسة التي انتهجتها إنجلترا في أوروبا على مدى عقود. ويرى فوكوياما أن نقطة الانطلاق نحو سياسة حكيمة ومتوازنة هي استيعاب أن الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى لا يحق لها تفضيل طرف على الآخر في هذا الصراع السني الشيعي، لأن رأسي الصراع كليهما مشاركان في سياسات أدت لتشجيع الإرهاب والإخلال بأمن المنطقة.
ولهذا، يقول فوكوياما، فمن مصلحة العالم أن يرى حلا يضع حدا للحروب الدائرة في المنطقة، ولكن المتأمل في التجربة الأمريكية في أفغانستان والعراق يفهم أن لا أحد في واشنطن قادر على إرساء الاستقرار والعدالة في بلدان الشرق الأوسط.
كما نقلت الصحيفة عن فرنسيس فوكوياما قوله إن القوى الديمقراطية يجب أن تتوقف عن رسم أهداف صعبة التحقيق، مثل شعار "الأسد يجب أن يرحل" و"يجب تدمير تنظيم الدولة"، ويجب عليها بدل ذلك أن تحاول تحييد هذه الأطراف دون أن تخلق لنفسها عداوات وتحالفات دائمة.
ونقلت الصحيفة عن الباحث في مركز التنمية الأمريكي المقرب من أوباما، بريان كاتيليس، قوله إن كل من يحاول البحث عن المنطق في الشرق الأوسط سيصاب بالإحباط، وأن لا أحد من الأطراف المتدخلة، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، يملك استراتيجية واضحة، ولهذا، فلكل طرف مخططاته الخاصة.
ولفهم السياسة الأمريكية في اليمن، يقول هذا الباحث إنه يجب أن نعلم أن التجربة اليمنية فشلت بسبب الانقسامات الداخلية ومنطق الحرب التي تروج له إيران والسعودية في المنطقة، ولهذا فشلت أمريكا في لعب دور بارز، وفشلت حتى في احتواء تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية.
وذكّرت الصحيفة بأن باراك أوباما كان قبل سنة قد تباهى بعمله المشترك مع اليمن لمحاربة الإرهاب، ووصف هذا التعاون بأحد أبرز نجاحات إدارته منذ سنة 2011، لأنه كان بديلا أسهل وأقل كلفة من الغزو الذي تم ضد العراق في عهد جورج بوش.
وأضافت أن السؤال المطروح اليوم هو كيف سيخرج اليمن من هذا الصراع المدمر، وبأي وجه سيكون في المستقبل، فالضربات الجوية تسبب الانهيار والتفكك، كما حدث في العراق وليبيا.
وأضاف الباحث أدريان ماتيليس للصحيفة أن رفض الإدارة الأمريكية الحالية الانحياز لطرف معين يعكس الحذر الذي تلتزم به خوفا من تثبيت الاتهامات التي يوجهها الجمهوريون لأوباما بأنه أصبح تابعا لإيران، في وقت تجد فيه هذه الإدارة ذاتها مجبرة على الاختيار بين التحالف مع إيران أو مواصلة العمل مع أصدقائها التقليديين في الخليج العربي.
وأضافت الصحيفة أن البيت الأبيض يقدّر أن التدخل بطريقة منحازة لطرف على حساب طرف آخر سيسبب تهديدا للمصالح الحيوية الأمريكية في المنطقة وخسارة كبيرة، ولهذا فإنه يكتفي بالعمل على تحقيق أهداف محددة، مثل الوقاية من الهجمات الإرهابية، دون الاختباء وراء الشعارات التي كان يطلقها بوش حول نشر الديمقراطية وبناء الشرق الأوسط الجديد.