تصبح دولة
فلسطين الأربعاء رسميا عضوا في
المحكمة الجنائية الدولية، ما سيتيح لها ملاحقة مسؤولين
إسرائيليين بتهمة ارتكاب جرائم حرب أو أخرى مرتبطة بالاحتلال، رغم أن تبعات هذا الفصل الجديد من النزاع تبقى غير معروفة.
وطلب الانضمام الفلسطيني إلى المحكمة الجنائية الدولية يندرج في إطار حملة دبلوماسية وقضائية أطلقتها القيادة الفلسطينية في عام 2014.
وعواقب هذه الخطوة غير معروفة، ليس فقط لأنه من غير المرجح مثول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقادة إسرائيليين آخرين أمام المحكمة في لاهاي في أي وقت قريب، بل لأنه من غير المعروف إلى أين سيؤدي هذا التدهور الجديد المرتقب في العلاقات.
وبعد الانسداد الكامل للأفق السياسي الذي كان يفترض أن يتيح إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنبا إلى جنب مع إسرائيل، اختار الفلسطينيون نقل المواجهة مع إسرائيل إلى الساحة الدولية.
وقرر الفلسطينيون في أواخر عام 2014 تقديم طلب الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية التي تلاحق المشبوهين بارتكاب عمليات إبادة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب بعد رفض مجلس الأمن الدولي اعتماد مشروع قرار ينهي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية بحلول نهاية 2017.
وفي الإجمال، فإن 123 دولة انضمت حتى اليوم إلى معاهدة روما التي لا تضم إسرائيل.
وأكد كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات أنه "ستواصل فلسطين استخدام كافة الوسائل المشروعة الممكنة من أجل الدفاع عن نفسها من الاستيطان الإسرائيلي وغيره من انتهاكات القانون الدولي".
واحتمال أن تقوم المحكمة بإطلاق تحقيقات يثير مخاوف الإسرائيليين. فقد اتهم نتنياهو الفلسطينيين وحكومتهم التي تضم حركة حماس التي تعدّها إسرائيل حركة "إرهابية" بـ"التلاعب بالمحكمة".
وردا على ذلك، جمدت إسرائيل في كانون الثاني/ يناير تحويل ضرائب تجمعها شهريا لحساب السلطة الفلسطينية تقدر بمئة مليون يورو شهريا.
لكن الانتخابات الإسرائيلية التي جرت في الآونة الأخيرة تركت معطيات جديدة، فقد أعلن نتنياهو خلال الحملة الانتخابية أنه سيرفض قيام دولة فلسطينية في حال أعيد انتخابه، ومنذ ذلك الحين وافق نتنياهو على الإفراج عن عائدات الضرائب للسلطة الفلسطينية التي تواجه أزمة مالية خانقة.
ويبدو أن هذا القرار الإسرائيلي أراد توجيه رسالتين: بادرة حسن نية تجاه الفلسطينيين تتزامن مع وصول العلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية إلى مرحلة حساسة للغاية، وبادرة حسن نية تجاه الولايات المتحدة والمجتمع الدولي.
والمعروف أن السلطة الفلسطينية تعتمد بشكل أساسي في موازنتها على هذه المبالغ، وغيابها قد يدفع نحو انهيارها وخلق فراغ خطير في المناطق الفلسطينية.
وتحدثت عدة صحف إسرائيلية عن احتمال أن تكون الحكومة الإسرائيلية أفرجت عن الأموال التي جمدت تحويلها للفلسطينيين، مقابل قبول الفلسطينيين عدم تقديم أولى الشكاوى ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية في الأول من نيسان/ أبريل المقبل.
وقال المتحدث باسم منظمة التحرير، خافيير أبو عيد: "هذه كذبة كبيرة" مؤكدا أن "هذه الضرائب لا علاقة لها بمسعانا في المحكمة الجنائية الدولية".
لكن في الواقع فإن 1 نيسان/ أبريل قد يأخذ بشكل خاص بعدا احتفاليا، حيث سيشارك وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي في لاهاي في مراسم قبول انضمام فلسطين إلى المحكمة، وسيتسلم الجانب الفلسطيني كتابا رسميا يؤكد قبول فلسطين الانضمام إلى المحكمة.
وقد أعلن بعض القادة الفلسطينيين أن أولى الشكاوى ستقدم اعتبارا من الأربعاء. وتضمن طلب الانضمام، طلب التحقيق في "جرائم" ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة في حربها الأخيرة في حزيران/ يونيو الماضي، وكذلك التحقيق في الاستيطان.
وشكلت السلطة الفلسطينية عقب ذلك لجنة وطنية من مؤسسات أهلية وحقوقيين وأكاديميين لجمع بيانات تدعم موضوع الشكوى المقدمة.
وأعلنت المحكمة الجنائية الدولية في منتصف كانون الثاني/ يناير الماضي فتح بحث أولي، وهو مرحلة تسبق فتح تحقيق، حول جرائم حرب مفترضة ارتكبت منذ صيف 2014 في فلسطين.
العبث بالملف
بدورها، حذرت المنظمة العربية لحقوق الإنسان، وهي منظمة حقوقية مقرها بريطانيا، السلطة الفلسطينية من العبث بملف الجنائية الدولية، معتبرة أن "مبعث القلق في هذه التقارير أن تاريخ السلطة الفلسطينية حافل في عقد الصفقات والمقايضات في أروقة المفاوضات على مدار سنوات، متجاوزة الخطوط الحمراء وكل مقدس في القضية الفلسطينية".
واعتبرت المنظمة ببيان لها "أن ملف المحكمة الجنائية الدولية ملف قضائي وقانوني بحت، ويشكل نافذة الأمل الوحيدة للشعب الفلسطيني لمحاسبة بعض قادة وجنود سلطات الاحتلال وتعيين صائب عريقات مسؤول ملف المفاضات مسؤولا عن ملف المحكمة الجنائية مؤشر على أن السلطة الفلسطينية لا تنوي السير في هذه المسار دون عقد صفقات مع الجانب الإسرائيلي".
ودعت المنظمة إلى عدم العبث بملف المحكمة الجنائية الدولية، وترك هذا الملف يسير في مساره القانوني الطبيعي حتى يحصل الشعب على بعض حقوقه في محاسبة قادة الاحتلال على بعض ما ارتكبوه بحق الشعب الفلسطيني من جرائم.
وشنت إسرائيل في تموز/ يوليو الماضي حربا مدمرة على قطاع غزة، ما أدى إلى مقتل قرابة 2200 فلسطيني في غالبيتهم من المدنيين. وقتل أكثر من 70 شخصا في الجانب الإسرائيلي، كلهم من الجنود تقريبا.
وبين مختلف أشكال الردود، ساندت إسرائيل شكاوى ضحايا هجمات، فقد أصدرت هيئة محلفين في محكمة في نيويورك في شباط/ فبراير قرارا يطلب من السلطة الفلسطينية دفع تعويضات بقيمة 218,5 مليون دولار لضحايا أمريكيين في ست هجمات منفصلة وقعت في إسرائيل بين العامين 2002 و2004.