ظلت العلاقات الأردنية
الإيرانية على مدار السنوات الماضية تتصف بالصبغة الرسمية البحتة، لا تبرح مرحلة التمثيل الدبلوماسي المتبادل، إلى مستوى العلاقات القائمة على المصالح الثنائية المشتركة.
وفي مطلع شهر آذار/ مارس الجاري، قام وزير الخارجية الأردني ناصر جودة بزيارة العاصمة الإيرانية طهران، في أول زيارة رسمية لمسؤول أردني رفيع منذ سنوات.
الزيارة المفاجئة التي قام بها جودة لطهران، اعتبرها بعض المراقبين "خطوة أردنية هامة في ظل التحولات الدولية" التي من أبرزها الاتفاق النووي المتوقع بين إيران والغرب، بالإضافة لمساعدات طهران في دعم المقاتلين الأكراد ضد تنظيم "الدولة"، الذي تساهم الأردن أيضا في قتاله عبر انخراطها في تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة، وهو ما يعني في محصلته اشتراك الدولتين في محاربة عدو واحد.
وبعد إعلان السعودية قيادتها تحالفا عربيا بمشاركة أردنية محدودة، ضد "
الحوثيين" في
اليمن، الذين يُتهمون بتلقي دعم من إيران، رجح عدد من المحللين السياسيين عودة العلاقات الأردنية الإيرانية إلى سابق عهدها، من التأرجح والدبلوماسية الحذرة.
من جانبه، قال لبيب قمحاوي، الكاتب والمحلل السياسي: "إن انحياز الأردن لإيران لم يكن مقصودا كبديل لعلاقات الأردن العربية، وأعتقد أنه كان هناك خطأ في التقدير من قبل المسؤولين الأردنيين، لأن الأردن لا يستطيع أن يعيش بمعزل عن عمقه العربي، ولذلك ربما كان اجتهادا من قبل بعض المسؤولين أن يتم فتح خطوط مع إيران كعملية استباقية لإعطاء الأردن مزيدا من الدور الإقليمي الذي تطمح إليه".
وأضاف قمحاوي أن "بحث الأردن عن دوره يجب ألا يكون على حساب قضايا أساسية واستراتيجية لا يمكن العبث بها، خصوصا علاقة الأردن مع المملكة السعودية ودول الخليج التي تناصب إيران العداء لأسباب معروفة للجميع، لذلك فإن اللعب على الوتر الإيراني قد لا يؤدي إلى نتيجة في مصلحة الأردن".
أما أحمد سعيد نوفل، أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك الأردنية، فقال إن "الأردن استند إلى التقارب الأمريكي الإيراني في الملف النووي لطهران، وهو سبب رئيس لمحاولة الأردن إجراء تقارب مع إيران، فضلا عن الحديث الأمريكي الواضح بأن إيران لاعب أساسي في المنطقة، وهذا يشير إلى أن الأردن قد يبدأ صفحة جديدة مع إيران".
وأشار نوفل إلى أن "التغيرات الجديدة المتمثلة في الحرب على الحوثيين بمشاركة أردنية سيحول دون استمرار العلاقات الأردنية الإيرانية بعد زيارة جودة لطهران، لأن الأردن سوف يأخذ بعين الاعتبار ملف اليمن وسيتوقف عن أي اندفاع نحو إيران".
بدوره، قال عامر السبايلة الخبير في الدراسات الشرق أوسطية إن "الأردن لم يتقدم بخطوات ملموسة في ما يتعلق بطبيعة العلاقات مع إيران، ولا أعتقد أنه قادر على ذلك".
وأضاف: "نقطة اليمن تثبت أن العلاقة (بين الأردن وإيران) لن تتقدم بالوتيرة المنشودة، والأردن معني بعدم العداء مع إيران، لكنه غير قادر على بناء علاقات استراتيجية معه".
واعتبر مراقبون أن مشاركة الأردن في الحرب ضد الحوثيين في اليمن لا تقوم على أساس طائفي، وإنما فرصة أكبر لتوسيع نفوذه وتأثيره باعتباره شريكا رئيسا في القضايا المشتعلة في المنطقة.
وكان الأردن قد أعلن في وقت سابق انضمامه للتحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية ضد "الحوثيين"، الذي أعلنت عنه السعودية أنه استجابة لدعوة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، لـ"حماية اليمن وشعبه من عدوان المليشيات الحوثية".
وزار العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني طهران آخر مرة عام 2003، لكنه التقى مسؤولين إيرانيين في عدد من المحافل الدولية بعد ذلك.
وفي منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي، عين الأردن وزير الإعلام الأسبق عبد الله أبو رمان سفيرا له لدى طهران، بعد أن وصل السفير الإيراني مجتبى فردوسي بور إلى الأردن، في الثاني من آب/ أغسطس الماضي، للعمل سفيرا لبلاده في عمان، خلفا للسفير السابق، مصطفى زاده لينهي الجانبان بذلك القطيعة الدبلوماسية التي بدأت عام 2004 بعد تحذيرات للعاهل الأردني خلال حديثه مع إحدى الصحف الأمريكية من خطر تشكل "الهلال الشيعي".
وشهدت العلاقات الأردنية الإيرانية قطيعة أكبر استمرت قرابة عقدين من الزمان، بعد دعم الأردن للعراق في حربه ضد إيران في ثمانينيات القرن الماضي.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، وجه نواب أردنيون انتقادات حادة لإيران وسياستها في المنطقة، على خلفية تصريحات نسبت لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، قال فيها إن إيران أضافت الأردن لقائمة الدول التي تتحكم فيها، وإن الأردن تتوفر فيه إمكانية اندلاع ثورة إسلامية تستطيع إيران أن تتحكم فيها.
وطلب عدد من النواب من وزارة الخارجية الأردنية تعقب تلك التصريحات والوقوف عليها، مطالبين إيران بتقديم اعتذار للأردن في حال ثبتت صحتها.
بدوره، رد وزير الخارجية الأردني على مداخلات النواب بالقول إن حكومته تتابع ما نسب إلى سليماني، معتبرا أن زيارته إلى طهران "تأتي في سياق إدامة قنوات التواصل مع الجميع".
ونفت السفارة الإيرانية في عمان ببيان لها ما نسب من تصريحات لسليماني، وأكد الحرس الثوري "أنه لا أساس لها من الصحة".