نشرت صحيفة "ديلي تلغراف" تقريرا لمراسلتها للشؤون الخارجية روث شيرلوك من بيروت والصحفي مجدي السمان من القاهرة، حول وضع سكان مخيم
اليرموك وتأثرهم بالاقتتال الدائر في المخيم وحوله.
ويذكر التقرير، الذي اطلعت عليه "عربي21"، قصة الطفلتين ماريا (3 سنوات) وملك (4 سنوات)، وكيف هربتا عندما بدأت القنابل تسقط بالقرب من روضتهما في مخيم اليرموك، بالسرعة التي تستطيع أرجلهما الغضة أن تحملهما. وفي وسط الدخان والغبار انفصلت الطفلتان عن والديهما وعن معلميهما وزملائهما في الروضة.
وتبين الصحيفة أن ماريا وملك ضاعتا في شوارع المخيم، وسارتا على غير هدى في الشوارع وبين البنايات المدمرة، وحتى عندما عثر عليهما أحد سكان المخيم الطبيبين لم تنته مأساتهما، فحاجز الجيش السوري الذي يتوجب عليهما قطعه للهروب من ساحة الاقتتال، لم يسمح لهما بالعبور.
وينقل التقرير عن مدير جمعية النور الخيرية، التي تجلب المساعدات إلى المخيم، محمد جلبوط، قوله: "انتهى المطاف بأم الطفلتين في منطقة تحت سيطرة النظام في الجانب الآخر، وكان علي الحصول على موافقة للسماح للطفلتين لعبور الحاجز للانضمام لأمهما، لقد استغرق ذلك أياما".
وتوضح الصحيفة أن قصة ماريا وملك تختزل المأساة التي يعيشها مخيم اليرموك، الذي وقع سكانه ضحية لأسوأ تجاوزات الحرب الأهلية السورية. وقد عجز زعماء العلماء أن يجدوا كلمات لشجب الحال المتدهور هناك، فوصف الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون اليرموك بأنه "أعمق دوائر الجحيم".
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، بأنه لأكثر من عامين كافح سكان مخيم اليرموك من أجل العيش على فتات الطعام والماء الملوث، محاصرين بالحواجز العسكرية، بينما حولت القنابل والغارات الجوية الأبراج السكنية إلى ركام.
وتشير الصحيفة إلى أن جهاديي
تنظيم الدولة دخلوا المنطقة الأسبوع الماضي، وفرضوا قوانين صارمة، واعتدوا على عمال الإغاثة للاشتباه في كونهم "جواسيس" لأعدائهم.
وينقل التقرير عن أحد سكان بلدة بيت سحم المحاذية لمخيم اليرموك، قوله: "إن تنظيم الدولة اعتقل صديقي اليوم، لقد كان ينقل المواد الغذائية إلى مخيم اليرموك".
وتقول الصحيفة إن سكان مخيم اليرموك، البالغ عددهم 16 ألفاً، يواجهون خطراً آخر وهو الوقوع في مرمى النار بسبب هجوم عسكري أكبر، مما سيجعل من منطقتهم ساحة حرب برية واسعة النطاق.
وقال السكان المحليون لصحيفة "ديلي تلغراف" إن المنظمات الفلسطينية التي حاربت لإبقاء قوات النظام خارج المخيم، ستحارب إلى جانب قوات النظام لإخراج مقاتلي التنظيم.
ويقول جلبوط، الذي يمتلك بيتا في اليرموك، وتربطه علاقات مع مؤيدي ومعارضي الحكومة: "سيرسل النظام الكثير من الأموال والجنود إلى مخيم اليرموك".
ويستدرك التقرير بأنه بالرغم من أن الطعام يبقى قليلا، ومن الصعب إدخال المساعدات الإنسانية إلى المخيم، إلا أن الحكومة السورية أرسلت في الأيام الأخيرة شحنة ذخيرة لفصائل فلسطينية كانت تتقاتل معها حتى وقت قريب.
ويكشف جلبوط وساكنان آخران في المخيم، طلبا عدم ذكر اسميهما، عن أن فصيل أكناف بيت المقدس، الذي لا يزال فاعلا في المخيم، هو من استلم شحنة أسلحة النظام. بالإضافة إلى ذلك دخل المقاتلون الفلسطينيون من قوات الدفاع الوطني المخيم لمحاربة تنظيم الدولة، بحسب الصحيفة.
ويقول جلبوط للصحيفة: "قائد قوات الدفاع الوطني من اليرموك، وقد دخل الفلسطينيون من تلك الميليشيا إلى المخيم". وأضاف: "أكناف بيت المقدس ليس مع النظام في كل شيء، فهذا زواج مصلحة لمحاربة تنظيم الدولة، ولكن الآن فإن قوات الدفاع الوطني وأكناف بيت المقدس يقاتلان سويا على الجبهة ذاتها".
ويورد التقرير أن هذه الأخبار جاءت بينما زار وفد من السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية دمشق؛ للتعبير عن التأييد لنظام الرئيس بشار
الأسد، وقال وزير العمل أحمد مجدلاني: "اتفقنا مع الحكومة السورية على طرق طرد تنظيم الدولة الإرهابي من مخيم اليرموك للاجئين. الحل العسكري هو الحل الوحيد لطرد هؤلاء الإرهابيين من المخيم".
وتستدرك الصحيفة بأن جمعيات العون والمنظمات الحقوقية حذرت يوم الخميس من القيام بأعمال عسكرية لإخراج تنظيم الدولة من المخيم؛ لأن ذلك ستكون نتائجه كارثية على المدنيين، الذين يعانون من المجاعة والإنهاك، ولا يزالون محصورين في المخيم. وقال بان كي مون: "إن هذه جريمة حرب أخرى يجب أن يدفع المسؤولون عنها الثمن".
ويلفت التقرير إلى أن الأسلحة والمقاتلين الذين دخلوا المخيم يساهمان في تصعيد القتال في المنطقة وتيرة وحجماً، كما يعتقد أن تنظيم الدولة مسلح بالرشاشات والصواريخ.
وتنقل "ديلي تلغراف" عن المتحدث باسم الأونروا قوله : "إن المدنيين مهددون أكثر من أي وقت مضى في اليرموك، إن الوضع فيه وصل إلى أسوأ من مجرد الفساد، فسكان المخيم كانوا يعيشون على هامش الوجود الإنساني قبل الآن".
ويوضح التقرير أن المهمات اليومية التي كان يقوم بها السكان للبقاء أحياء من السير إلى مصدر المياه في أطراف المخيم، والبحث عن لقمة عيش، أصبحت في الأسبوع الأخير مستحيلة.
وتورد الصحيفة أن سليم سلامة، أحد اللاجئين في اليرموك، وهو رئيس الرابطة الفلسطينية لحقوق الإنسان يقول: "إن هناك مدنيين لم يغادروا بيوتهم خلال التسعة أيام الماضية، وليس هناك ماء في البيوت منذ أيلول/ سبتمبر 2014".
ويذكر التقرير أن لجنة الصليب الأحمر الدولي قد دعت الأطراف المسلحة للسماح "الفوري ودون عراقيل" للمساعدات الإنسانية، والسماح للمدنيين الراغبين في الهروب من المخيم بمغادرته.
وتختم "ديلي تلغراف" تقريرها بالإشارة إلى أن القتال قد تصاعد، حيث وقع برميل متفجر يوم الخميس على آخر مستشفى يعمل جزئيا. ويقول سلامة: "في ساعات الصباح الأولى من هذا اليوم ضربوا مستشفى فلسطين، كان أفضل مستشفى في اليرموك، وكان بالكاد يعمل، وكان هناك فقط طبيبان؛ أي طبيب لكل ثمانية آلاف شخص، وعملا لأكثر من عام دون أدوية أو مضادات حيوية".