صحافة عربية

حملة مصرية للاعتراف بـ"مذابح الأرمن".. نكاية بتركيا

شن إعلام مصر هجوما لاذعا على أردوغان ووصفه بأنه "أخطر من الإسرائيليين" - الأناضول
تشهد مصر حراكا سياسيا موسعا، يتوزع على القضاء والإعلام والنخبة المثقفة والمسؤولين السياسيين، بهدف إدانة تركيا بارتكاب "مذابح إبادة جماعية" بحق الأرمن، وذلك تماهيا مع الحملة الأوروبية على تركيا حاليا، بهذا الصدد.
 
ولاحظ مراقبون أن الساحة السياسية في مصر تشهد حاليا حملة ممنهجة من أجل دعم المزاعم الأرمنية ضد تركيا، في مجال وثيق الصلة بالحقوق والحريات، الذي لطالما قض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مضاجع نظام السيسي به، في المحافل الإقليمية والدولية، وفق ما يراه مراقبون.
 
دعوى قضائية لاعتراف مصري
 

على مستوى القضاء، شهدت مصر، لأول مرة، رفع دعوى قضائية ضد رئيس تركيا رجب طيب أردوغان، للمطالبة باعتراف الحكومة المصرية بمذابح الإبادة الجماعية التي أدارتها دولة الخلافة العثمانية بحق الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى، وفق الدعوى.
 
وطالبت الدعوى التي أقامها المحامي المقرب من أجهزة الأمن طارق محمود، باتخاذ الأشكال والقرارات اللازمة للاعتراف بالمذبحة التي قام بها الأتراك في حق الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى، بحسب قوله.
 
وجاء في الدعوى أن "الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مدعٍ للديمقراطية والشفافية، إذ ينكر المذبحة التي ارتكبها أجداده من الأتراك في عام 1915 ضد الأرمن، التي نتج عنها قتل أكثر من مليون ونصف المليون شخص، وتشريد الملايين، واضطهادهم لفترة طويلة، لذا فإن من حق الأرمن أن تعترف بهم الدولة المصرية، وبالمذبحة التي وقعت في حقهم"، وفق الدعوى.
 
وشددت الدعوى على أنه من الواجب على مصر الاعتراف بتلك الجرائم نظرا للعلاقة التاريخية والقومية بين الشعبين الأرميني والمصري، وأن تركيا دولة غير ديموقراطية، وأن تاريخها ممتلئ بالمجازر، وجرائم الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، وفق الدعوى.
 
مؤتمر "100 عام على مذابح الأتراك للأرمن"
 

وعلى مستوى النخبة المثقفة، نظمت جامعة عين شمس، في الأسبوع الماضي، مؤتمرا بعنوان: "مئة عام على مذابح الأتراك للأرمن 1915-2015"، ردد فيه المشاركون، وبعضهم مسؤولون رسميون، مزاعم الأرمن بارتكاب تلك المذابح، مطالبين باعتراف مصر بها، وتغيير اسم شارع "سليم الأول" بحي الزيتون في القاهرة.
 
وزعم رئيس مجلس إدارة دار الكتب والوثائق القومية، حلمي النمنم، أن تركيا العثمانية أشد عداء وخطورة على مصر من إسرائيل، وأن تاريخ الدولة العثمانية ملوث بدماء المصريين، منذ بدء "الاحتلال التركي" لمصر في عام 1517، ودخول السلطان سليم الأول لاحتلال البلاد باسم الدين الإسلامي، وتغيير الحاكم المصري، واعتبار مصر دار كفر، وقتل 25 ألف مصري في يوم واحد، وإعدام السلطان المصري طومان باي، على باب زويلة، وفق قوله.
 
وأضاف النمنم أن المذابح العثمانية تجاه المصريين لا تقل شأنا عن مذابحها تجاه الأرمن، وإبادتهم في عام 1915، خلال الحرب العالمية الأولى، مشيرا إلى أن تركيا الأردوغانية، لا تختلف عن تركيا العثمانية، أو تركيا الكمالية، خاصة أن هناك عثمانيا جديدا في تركيا يحاول إحياء الإمبراطورية العثمانية، واحتلال العرب باسم الدين، وفق تعبيره.
 
ومن جهته، طالب عضو "لجنة إحياء الذكرى المئوية لمذابح الأرمن" الدكتور أرمن مظلوميان، في المؤتمر، بأن تكمل مصر "جمايلها اللي مغرقة الأرمن"، وتعترف بما جرى لهم من مذابح على يد الدولة العثمانية في عام 1915، أثناء الحرب العالمية الأولى، بحد قوله.

وقال مظلوميان خلال المؤتمر: "عشمنا في مصر أن تشارك في الفاعليات التى ستنظمها دولة أرمينيا في العاصمة يوم 24 نيسان/ أبريل الجاري، لإحياء الذكرى المئوية لمذابح الأرمن".
 
من جانبه، أثنى السفير الأرميني في مصر أرمن ملكونيان -في مداخلته بالمؤتمر-  على الدور المصري تجاه الأرمن، ومنحهم الهوية المصرية، ليتمتعوا بها مواطنين مصريين، مشيدا بدور المثقفين المصريين مؤخرا بدعوة تركيا إلى مواجهة تاريخها، وإجراء المصالحة.
 
وقال الخبير الاستراتيجي اللواء محمود خلف، في المؤتمر، إن تنظيم الدولة أحفاد متطورون من العثمانيين، وتعلموا منهم مما فعلوه في الأرمن من مذابح وإبادة جماعية لهم عام 1915.
 
وزعم أن ما فعله الأتراك تجاه الأرمن من إبادة جماعية، يشبه ما فعلته الدولة العثمانية بتفريغ مصر من عمالتها المهرة وإرسالها إلى تركيا، قائلا: "أسوأ عصور مصر التاريخية، وأكثرها ظلما، تلك التي حكمتها فيها الدولة العثمانية".
 
الكنيسة المصرية تدخل على الخط
 
في سياق متصل، طالب "الاتحاد المصرى لحقوق الإنسان"، وهو اتحاد يرأسه مستشار الكنيسة الأرثوذكسية في مصر، نجيب جبرائيل، المجتمع الدولي بإلزام تركيا بالاعتراف بمذبحة الأرمن، وجرائم الدولة العثمانية التي راح ضحيتها قرابة 1.5 مليون أرمني إبان الحرب العالمية الأولى، على حد قوله.
 
وطالب جبرائيل في بيان أصدره بمناسبة مرور 100 عام على تلك المذابح، الاتحاد الأوروبي بالتمسك بعدم قبول عضوية تركيا، ما لم تعترف بتلك الجرائم، مشيدا بالبيان الذى أصدره بابا الفاتيكان البابا فرانسيس، وإدانته لمذابح الأرمن، وداعيا كل المؤسسات الدينية المسيحية والإسلامية والمنظمات الدولية أن تحذو حذوه.
 
يُذكر أن أسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك، المطران كريكور أوغسطينوس كوسا، سلم في الثامن من آب/ أغسطس الماضي، كتاب "موجز تاريخ الشعب الأرمني"، الذي يتهم الأتراك بارتكاب تلك المذابح، إلى عبد الفتاح السيسي، خلال لقائه رؤساء الطوائف المسيحية بمصر.
 
صحف: جريمة تركيا الكبرى
 

وعلى مستوى الإعلام، شنت الصحف المصرية حملات منظمة خلال الأيام القليلة الماضية، بهدف الترويج لمذابح الأرمن، عبر إجراء سلسلة حوارات مع مسؤولي الجالية الأرمنية بمصر، واستدعاء أبحاث تاريخية متحيزة، ونشر تقارير موجهة ضد الأتراك.
 
ونشرت صحيفة "الوطن" ملفا كاملا في الأسبوع الماضي بعنوان: "100 عام على مذابــح الأرمن.. جريمة تركيــا الكبرى".
 
وقالت الوطن: "100 عام مرت على مذابح الأرمن، المعروفة دوليا باسم جريمة تركيا الكبرى، وما زالت أعداد كبيرة من الأرمن حول العالم، ومن بينهم الآلاف في مصر، يعانون بسبب عدم قدرتهم على الحصول على حقوقهم من دولة الخلافة العثمانية، التي ارتكبت جرائم الإبادة الجماعية الأكثر بشاعة في التاريخ الحديث ضد أجدادهم"، وفق ادعائها.
 
وأضافت الصحيفة: "يتذكر الأحفاد تفاصيل جرائم تركيا ضد أجدادهم، ويقصون على أبنائهم قصة المذابح التي ارتكبها الأتراك في حق بني جنسهم عام 1915، أي قبل قرن من الزمان، وينظرون بحزن وغضب إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهو جالس على عرش الأتراك العثمانيين الجدد، يشرب نخب المجازر، ويتفاخر بطردهم من ديارهم، وإجبارهم على السير لمئات الأميال بعد اغتصاب نسائهم".
 
وتابعت الوطن: "الأحداث الأخيرة أظهرت الوجه القبيح للنظام التركي، ودعمه للإرهاب"، على حد وصفها، مشيرة إلى أن "أبناء الأرمن أمثال نوبار باشا وألكسندر صاروخان وغيرهما من الشخصيات الأرمينية"، لم تثنهم المذابح التركية عن مواصلة مشوار العناء للمطالبة بحقوقهم، إذ شاركوا في صنع فصول من التاريخ والفن في مصر، وعلى رأسهم مجموعة من نجوم الفن من أمثال فيروز ونيللي ولبلبة، وأخيرا الراقصة صافينار"، وفق الصحيفة.
 
وفي السياق ذاته، نشرت صحف مصرية تصريحات لأستاذ التاريخ بكلية الآداب بجامعة دمنهور، الدكتور محمد رفعت الإمام، زعم فيها أن الإبادة الأرمنية مرت بثلاث مراحل، الأولى في زمن السلطان عبد الحميد الثاني (1876-1909)، والثانية إبان الحكم الاتحادي (1909 - 1918)، والثالثة خلال الحقبة الكمالية (1919 -1923).
 
وزعم إمام أن هناك حالة من الإنكار الهستيري للحكومات التركية المتعاقبة، ردا على ملاحقات الضحايا، واتساع دائرة الاعتراف الدولي بكارثية الجرم الذي ارتكبه الأتراك في حق الأرمن، مع سبق الإصرار والترصد، على حد زعمه.
 
وتشهد العلاقات المصرية التركية توترا متصاعدا منذ انقلاب الثالث من تموز/ يوليو 2013 بسبب الموقف التركي من الأحداث في مصر، وتأييد القيادة التركية للدكتور محمد مرسي، باعتباره الرئيس الشرعي المدني المنتخب، وفي المقابل يطالب مقربون من السلطة الحالية في مصر بقطع العلاقات مع تركيا، لهذا السبب.