يُنسبُ للراحل الشاعر"نجيب سرور" قول ما يزال يرن في ذاكرتي منذ زمن بل أراه إحدى أبجديات النضال الوطني: "ارفض أن تقول لا المقننة"!
أي إن الحاكم الظالم لا مكان لدى شريف لقبوله، والأقرب إلى التصور أن يتم رفض كل ما يصدر عنه وعن نظامه، ولكن لأن الشياطين تتعلم من حكامنا، ومن الغرب الذي يلقنهم حيل الاستبداد..فإن مكراً سياسياً أبتدعوه منذ أيام معاناة "نجيب سرور"، اي منذ عبد الناصر إذ إنهم "يخترعون" مواقف وقضايا، لا لزوم لها .. ولا تحرك شعرة صغيرة في "رمش الحقيقة" ولكن البسطاء والمغيبين من الجانبين يفرحون ويمرحون..وتروح مقدرات الأوطان تمعن في الغياب ثم في الضياع..
(1)
فيما
الإنقلاب في
مصر يثبت أركانه، ولكم نتمنى أن يكون هذا التثبيت ظاهرياً ..نتمنى، فيما هو يفعل يمعن في محاولة إذلال العقلاء من الشرفاء بافتعال قضايا كبرى في "كنكة قهوة بالغة الصغر"، كان جمال عبد الناصر يملك "كاريزما شخصية" على نحو ما افتقدها السيسي، ولكن آلة المخابرات الحربية لم تكن تعمل معه على هذا النحو "المريع" الذي يعمل من آسف مع "عبد الفتاح السيسي"، ولكي تلاحظ مقدار نجاحه .. راجع القضايا التي يثيرها بين الحين والآخر، ولاحظ ردود الفعل الأكثر عنفاً، ولا أقول تجاوباً معها، في المقابل راجع قضايا عهد جمال عبد الناصر، فهذا انقلاب وهذا انقلاب، وهذا انقلاب مزدوج على ثورة 25 يناير المفترضة لإنها لم تثبت نجاحاً بعد، ثم على الرئيس المنتخب محمد مرسي، وهذا انقلاب على الملك فاروق ثم اللواء محمد نجيب، هناك كانت حفلات أم كلثوم تمتد إلى الصباح، وادعاء اختراع غواصات تطير في الفضاء، وأكسير سحري يعيد عصا الشباب القوية، وكان الاكتساح بمحاولة الاغتيال التمثيلية في المنشية بمحافظة الإسكندرية..
كل ما فات تشعر بإنه كان يخيل على جزء كبير من الشعب المصري آنذاك، إذ تجربة
الإخوان لم تكن قد اكملت الثلاثين عاماً ..وتتعرض لمحنة شديدة متكررة عند تمام استيلاء عبد الناصر على الحكم في 1954م، وبعدها بعشر سنوات كاملة، الشاهد إن الحس الديني عند المصريين لم يكن بمثل القوة التي هو عليها عام 2013م عند انقلاب السيسي، ويجب أن نعترف أن هذا الحس إنما أسهم فيه ونماه الإخوان، رد الله غربتهم .. وأزال تداعيات فجآءة اللحظة عنهم، ومن هنا لم يكن من الممكن أن يدعوهم نظام السيسي إلى ارتداء "الميني والميكروجيب"، وما صاحبه من انحلالية واباحية، لمن يقول إنها كانت موضة عالمية راجع أخلاقيات تلك المرحلة، وكان لابد من المداورة .. لشغل الناس عن الدين الذي يؤهلهم للدفاع عن الحق ..
(2)
كان صادقاً أبو نواس لما قال:
دَعْ عَنْكَ لَوْمي فإنّ اللّوْمَ إغْرَاءُ.. ودَاوني بالّتي كانَتْ هيَ الدّاءُ
ولكن الإنقلابيين لم يكونوا كذلك لما زجوا بالدين في "منظومة حقيرة" لإكسابهم شرعية مزيفة..وذلك عبر "محاولة مزيفة" لهدم المعلوم من الدين بالضرورة، أو ثوابت الإسلام العظيم الحنيف، إننا لو قلنا لمناظر تعال لكي تثبت إن الماء له لون أو عديم اللون .. فسيتعب المناظر كثيراً في المناظرة..
ما الحرب التي بدأت في يوليو 2013م على "الصلاة على النبي، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه أتباعه"؟
وكانت آيات الحرب وعلاماتها مصادرة الملصقات على زجاج السيارات بغرامة ومخالفة..إنه فعل مزيف بامتياز ..فلا الصلاة على الرسول العظيم تحد، وذكره، صلى الله عليه وسلم، سيبقى مادامت الحياة، وأنفاس في الشفاة، ودفقات دماء في القلوب، ولكنهم يفتعلون معاركاً وهمية لشغلنا عن بلدنا الذي يسلب منا..
ومن يومها .. ونحن نغرد في غير سربنا ..
وأتباع العسكر يساعدون في المعركة الوهمية بوعي أو بدون وعي.. هناك التشكيك في الإمام البخاري، رضي الله عنه، وهناك التعرض لابن تيمية، رحمه الله وطيب ثراه، ثم الأئمة الأربعة، وصولاً لمعركة الحجاب وهل هو فرض أم ..؟!
(3)
مع الاحترام والتقدير لكل منضوٍ تحت أهداب الشرف اليوم فإن طرفة مصرية تقول إن ستة من الجنوبيين يمشون خلف بعضهم وقعوا في حفرة واحدة، ومع فارق التشبيه، إن متلازمة الهجوم على مظاهر الإسلام و جوهره، بإحراق كتب، ومحاولة زعزعة شخصياته التاريخية في النفوس، والتشكيك في الثوابت ليس الرد عليها تكريس الجهد على هذا النحو المبالغ فيه، او حتى أن يسوقنا الإنقلابيون ل "مناظرة" طرفاها ليسا على حق كامل، فيما نحن نتعلق باهداب الطرف الأقرب إلى الحق على إنه سيقول الحق كاملاً ..
إنهم ينشغلون بالهدم .. ويبنون في نفس الوقت لاستقرارهم ..فلماذا لا نركز على هدم الأهم "انقلابهم"، وندع التعلق بما يريدون لنا ومنا أن نتعلق به ..ونتفرغ لزعزعة أركانهم ..لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم جل همه في المدينة المنورة، او حتى في مكة، بعد سنوات الدعوة الأولى، ما يهاجمه الكفار به ..بل بناء العقيدة ثم إقرار التشريع في نفوس ومعاملات الصحابة الكرام .. وياتي الرد على "ترهات المشركين" لاحقاً أو حتى لا تأتي ..
بقي إن أموراً يسيرها السيسي على عينه من باب المكايدات السياسية ينبغي ان نأخذها على نحو مبالغ فيه، فإنه ليريد مصالحة تبقيه فلما لا يجدها يسب اساسيات الدين ومظاهره بواسطة أتباعه، بل بلسانه، بقوله بوجوب التجديد الديني ..فهم الامر في سياقاته يغني عن كثير من الحسرة لدى كثيراً من الشرفاء، وتداعياتها ..
(4)
لما يريدون منك أن تقول لا.. وهم أرادوا منك بقولها أن تنشغل بها عن نفسك وحقيقي قضيتك .. تمهل عندها .. وفكر في أولوياتك .. وادخرها لوقت موقف شديد، وأبقي على ذهنيتك وفاعليتك لما هو أهم .. وتذكر إنهم لا يحاربون الإسلام .. بل إنهم يحاربون الحياة كلها .. ففي إطار هذه المنظومة اعقل الأمر وأبدع في الرد عليه ..