اقتربت ساعة انطلاق إشارة البداية لتولي الولايات المتحدة تدريب مئات من المقاتلين السوريين من أجل محاربة تنظيم الدولة، دون أن يعرف هؤلاء المقاتلون ما إذا كانت واشنطن ستهب لنجدتهم في ساحة القتال أو كيف سيحدث ذلك إذا اقتضى الأمر. في الوقت ذاته، يردد قادة آخرون من المعارضة أن هذا الجيش الوكيل قد يكون سببا في إطلاق شرارة اشتباكات بين قوى المعارضة ذاتها.
وتتركز الخطة الأمريكية على تدريب وتسليح قوة يتوقع أن يتجاوز قوامها في نهاية الأمر 15 ألف مقاتل، على أن يبدأ تنفيذ الخطة في الأسابيع المقبلة.
وتعد هذه الخطة اختبارا رئيسيا لاستراتيجية الرئيس الأمريكي باراك أوباما التي تقوم على إشراك شركاء محليين في مقاتلة المتطرفين.
لكن مسؤولي الإدارة الأمريكية بدأوا بالفعل بتقليص التوقعات لما ستسفر عنه الخطة، بل ويقول بعض قادة المعارضة السورية إن هذه القوة تمثل مجازفة بإحداث انقسامات في صفوف السوريين، ولا يمكن أن يكتب لها النجاح دون استهداف قوات النظام السوري مباشرة.
وقال مسؤولون أمريكيون كبار إن أوباما لم يقرر بعد إلى أي مدى ستدعم واشنطن هذه القوة عسكريا، وما هي الظروف التي يقدم بمقتضاها هذا الدعم. ويمثل هذا الالتزام في حد ذاته مجازفة بالتورط الذي سعى أوباما منذ فترة طويلة لتفاديه في
سوريا.
ويقول مسؤولون عسكريون أمريكيون كبار إن حماية القوات ستكون أمرا أساسيا لجذب مجندين جدد وضمان نجاح البرنامج.
وكان تنظيم الدولة قد استولى على مساحات كبيرة من أراضي سوريا والعراق وأعلن قيام الخلافة.
وفي مواجهة الهجوم الضاري الذي شنه التنظيم عبر شمال العراق في حزيران/ يونيو الماضي، طلب أوباما من الكونجرس تخصيص 500 مليون دولار بصفة مبدئية لتدريب وتجهيز مقاتلين سوريين وصفهم في وقت لاحق بأنهم أفضل ثقل مقابل للمتشددين الإسلاميين وركيزة أساسية في حملته لهزيمتهم. وبلغ إجمالي ما طلبه أوباما حتى الآن 1.1 مليار دولار.
وبعد عشرة أشهر، ما زالت الخطة في مرحلة الاستعداد للانطلاق. ويقول مسؤولون أمريكيون إن عدة مئات من العسكريين من الولايات المتحدة وبلدان التحالف يستعدون لبدء التدريب الذي سينطلق أولا في مواقع بالأردن وتركيا، ثم ينتقل فيما بعد إلى السعودية وقطر.
وستغطي الدورات التدريبية كل شيء، من قواعد الحرب إلى مهارات استخدام الأسلحة الصغيرة، وكان من المتوقع أن تبدأ في آذار/ مارس الماضي.
وتعكس هذه الخطوة أولويات رئيس يرفض التورط في صراع آخر في الشرق الأوسط، لكنه يحتاج إلى قوة برية يستكمل بها الضربات الجوية الأمريكية التي تستهدف تنظيم الدولة في سوريا.
وفي العام الماضي، وافق الكونجرس على الخطة بهدفين أساسيين: أولهما محاربة تنظيم الدولة، وثانيهما زيادة فرص التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض في الحرب السورية، بزيادة الضغط على قوات النظام السوري.
ويقول المقاتلون المعارضون لنظام بشار الأسد، وبعض مؤيديهم، بمن فيهم تركيا والسعودية، إن الخطة ستنجح إذا ركزت بشكل أكبر على محاربة قوات الأسد والفصائل المتحالفة معها.
وقال أبو حمود، رئيس العمليات في الفرقة 13، وهي كتيبة من المقاتلين غير الإسلاميين تلقى أفرادها تدريبا بموجب برنامج منفصل أدارته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية: "بالنسبة للسوريين أكبر دافع هو وقف القتل، وأكبر قاتل هو النظام".
أما أبو ماجد، قائد كتيبة فرسان الحق التي حصلت على مساعدات بموجب البرنامج الذي أطلقته المخابرات المركزية في العام الماضي، فقال إن محاربة تنظيم الدولة ربما تكون لها الأولوية في شرق سوريا، لكن هذا لا يسري على بقية أنحاء البلاد.
وأضاف: "هي مسألة أولويات. الناس في الشرق يعانون أكثر ما يعانون من الدولة الإسلامية، وفي منطقتنا نعاني نحن من النظام".
وتوضح وثائق لإدارة الرئيس أوباما اطلعت عليها رويترز أن جانبا من الاستراتيجية الأمريكية يتمثل في الضغط على الأسد، من خلال مواصلة تعزيز مكانة المعارضة وزيادة المساحات التي تخضع لسيطرتها. لكن الوثائق تعترف بأن أثر قوة المعارضة المدربة تدريبا أمريكيا سيكون على الأرجح متواضعا على الأقل في البداية.
وفي آذار/ مارس الماضي كتبت وزارة الخارجية للسناتور جون مكين، رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، رسالة تقول فيها: "حتى إذا نظرنا إلى الأمر نظرة كلية، فإن المساعدات الحكومية الأمريكية للمعارضة المسلحة المعتدلة لن تكون حاسمة في هزيمة قوات النظام".
وتقول الرسالة: "كذلك لن يجبر المقاتلون الذين يتلقون هذه المساعدات بمفردهم الأسد على تغيير حساباته فيما يتعلق بمحاولة التشبث بالسلطة".
ولم يعلن أوباما حتى الآن ما إذا كانت أفعاله ستتجاوز إعادة تزويد القوة الوكيلة بالسلاح أو بالمال وحمايتها بالمقاتلات الأمريكية إذا اشتبكت مع قوات الأسد.
وتشن الولايات المتحدة غارات جوية شبه يومية على أهداف تابعة لتنظيم الدولة في سوريا والعراق.
وفي مقابلة مع مجلة فورين أفيرز في كانون الثاني/ يناير الماضي، قال الأسد إن جيشه سيحارب القوات المدعومة من الولايات المتحدة، ووصفها بأنها غير قانونية.
ويميل المسؤولون العسكريون الأمريكيون للدفاع عنها. وقال الجنرال لويد أوستن، قائد القيادة المركزية العسكرية الأمريكية، للجنة في مجلس الشيوخ الشهر الماضي، إنه أوصى بحماية أمريكية للقوة في مواجهة كل خصومها. وأضاف "في الوقت الحالي لم يتخذ هذا القرار بعد".
تدخل على مضض
ويرفض أوباما التدخل في سوريا منذ بدأت الانتفاضة المناهضة للنظام في آذار/ مارس 2011.
وسبق أن رفض أوباما اقتراحا كان يقضي بتسليح "المعارضة المعتدلة" في سوريا في صيف 2012، رغم تأييد جميع مستشاريه الأمنيين الكبار للخطوة.
وبعد أن تجاوز الأسد "الخط الأحمر" الذي رسمه أوباما واستخدم أسلحة كيماوية، اختار الرئيس الأمريكي ألا يرد ردا عسكريا، وتفاوض بدلا من ذلك على صفقة مع روسيا للتخلص من مخزون الأسلحة الكيماوية المتطورة في سوريا.
وقالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) لرويترز إن حوالي 143 مليون دولار، من مبلغ 500 مليون دولار المخصص هذا العام للقوة الوكيلة، أنفق على السلاح والذخيرة والمعدات وغيرها.
وأشار تقرير للبنتاجون أرسل إلى الكونجرس إلى أن مهمة التدريب قد يتسع نطاقها هذا العام بشكل كبير، غير أن عدد الأفراد من العسكريين الأمريكيين الذين سيشاركون في تنفيذها "أقل من ألف".
وتقول وزارة الدفاع إن هدف البرنامج هو تدريب ما يصل إلى 5400 مجند سنويا. وتقول الوزارة إن أكثر من 3000 مرشح سوري تطوعوا لدخول برنامج التدريب والتجهيز، وكلهم في مراحل مختلفة من عملية الفحص والتدقيق.
ويقول تقرير الوزارة إنهم سيحتاجون بمجرد عودتهم إلى سوريا للقتال إلى إعادة تزويدهم باستمرار بالإمدادات الأساسية. وتعتزم الوزارة تزويدهم بالعتاد والذخيرة وتقديم مرتبات نقدية للقيادات.
وقال عدنان النجار، القائد العسكري العام لكتيبة الفاروق التي لها مقاتلون في مختلف أنحاء سوريا، إن مجموعته تلقت دعوة، وقيل له إن التدريب سيبدأ في تموز/ يوليو المقبل، رغم أنه لا يعرف عدد رجاله الذين سيشاركون في التدريب.
وقال، وهو يجلس في مكتبه ببلدة ريحانلي التركية الحدودية، حيث يرتفع علم الكتيبة: "أغلب مقاتلينا أناس عاديون. مدنيون أو جنود هاربون من الخدمة ليس لديهم الخبرة الكاملة، ولذلك سيستفيدون من التدريب".
وقد أوضح المسؤولون الأمريكيون أن المقاتلين المشاركين في البرنامج سيخضعون لفحص دقيق لمنع وقوع الأسلحة الأمريكية في أيدي جماعات إسلامية، مثل أحرار الشام أو جبهة النصرة.
غير أن قائدا كبيرا في الكتائب المقاتلة من مدينة دير الزور، الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة في شرق سوريا، قال إن هذا قد يؤدي إلى إغفال المقاتلين من أصحاب أفضل الخبرات المكتسبة على الخطوط الأمامية في مواجهة تنظيم الدولة.
وقال لرويترز، مشترطا عدم الكشف عن هويته لأن عائلته ما زالت تعيش في مناطق تخضع لسيطرة تنظيم الدولة: "عندما يرى الأمريكيون أحدا يصيح الله أكبر فهم يعتقدون أنهم إسلاميون".
خطر الاقتتال
وفي الوقت الذي تعزز فيه المجموعات الإسلامية وضعها في شمال البلاد على الحدود التركية، قد يصبح من المتعذر على نحو متزايد اجتذاب مجندين مستوفين للمعايير الأمريكية من ساحة القتال.
وأصبحت إدلب، الواقعة على مسافة غير بعيدة من الحدود التركية، ثاني عاصمة إقليمية تسقط في أيدي
الفصائل المقاتلة في الحرب الدائرة منذ أربع سنوات.
وقال أبو عمر، المقاتل في صفوف لواء أهل الشام، الذي قال إنه تلقى تدريبا أمريكيا في الأردن، إن مثل هذه الجماعات قد تنقلب على المقاتلين الذين دربتهم الولايات المتحدة وحلفائهم إذا ركزوا فقط على تنظيم الدولة.
وأضاف: "لا يمكنك أن تلقي برجل لا يعرف السباحة في البحر وتطلب منه العوم. يجب أن يكونوا مدربين تدريبا جيدا لمحاربة كل الأخطار".
ولا تدعم الولايات المتحدة بعضا من أقوى الفصائل المقاتلة، وتشكو هذه الفصائل من أن سجل الغرب يتركز في اختيار حلفاء فقراء.
وقال إسلام علوش، المتحدث باسم جيش الإسلام، وهو فصيل إسلامي كبير ينشط حول دمشق وفي شمال سوريا: "توجد مشكلة ثقة في الناس المدربين في الخارج. فالثقة فيهم ضئيلة".