سر «حكمة» الاتحاد الأوروبي أن يبقى متفائلاً بعودة التعقُّل الى السياسة الإيرانية، لتؤدي دوراً في إقناع النظام السوري بقبول عملية انتقالية. لكنّ واقع الحال هو عجز الأوروبيين الساسة عن رؤية مصير سورية وخرابها، وإصرار مَنْ وراء النظام على تعميم هذا الخراب... لا لشيء إلا لدعم «صمود» من يحكم في دمشق، ولو اقتضى سقوط عشرات الآلاف من المدنيين قتلى، بعدما تخطّت النكبة مئتي ألف ضحية.
البيت الأبيض بات أصمّ منذ انتزع الأسنان الكيماوية للنظام السوري، لكنه لـ «الإنصاف» ما زال يستعد لتدريب عشرات من عناصر المعارضة (!) لعلهم يقلبون مسار الصراع. أما الاتحاد الأوروبي، فلعل سياسته في عهد فيديريكا موغيريني، ستبني قصوراً من أحلام «الواقعية» الإيرانية، قبل رحيل الرئيس بشار الأسد.
باختصار، فلنتوهّم أن مَنْ يرعى كل ارتكابات النظام في دمشق ويشجّعه على المزيد، سينقلب إلى داعية سلام ويعتذر من الشعب السوري... لا لشيء إلا لرغبته هو في لعب دور «إيجابي» في المنطقة، ينسجم وروح التطبيع بين إيران والغرب، في مرحلة ما بعد صفقة الاتفاق النووي.
... وسيعتذر من الشعب
اليمني عن تسليح الحوثيين وتحريضهم على ابتلاع الدولة وخطف المؤسسات وخداع بقية القوى والأحزاب اليمنية التي شاركت في الحوار، فيما كان زعيم الحوثي، «المظلوم» في الادعاء الإيراني، يضع السلاح تحت طاولة الحوار، بل في ظهر البلد والدولة.
... وسيعتذر النظام الإيراني من الشعب اللبناني عن تدمير نسيجه وشلّ مؤسساته وخنق اقتصاده، والنفخ في نار المذهبية، منذ ربط البلد بدمشق وطهران وبغداد، ومصير صنعاء وحال باب المندب ومضيق هرمز!
هي مجرّد أضغاث أحلام، ولا تُنسى أيضاً عنتريات النهج الإيراني في التعامل مع دول الخليج، وعنجهيته وازدراؤه اللغة الديبلوماسية بين الدول، وإصراره على استفزاز الجيران، وتجاهُل الروابط الخليجية والعربية بين المملكة العربية السعودية وبقية دول مجلس التعاون، وكل الدول العربية عموماً.
واضح بالتأكيد، أن طهران حاولت بكل ما هو ممكن الاستقواء بمشروع الاتفاق النووي مع الدول الست الكبرى، لاهثة وراء حلم ردّدته طويلاً لتكون «القوة الأكبر في المنطقة». لكن الأكيد في المقابل أن متغيرات سريعة في الإقليم دهمت المشروع الإيراني المتضخّم الأوردة، وأول المتغيرات وأهمها عملية «عاصفة الحزم» التي قادتها السعودية لاستعادة شرعية الحكم اليمني من قبضة جماعة الحوثيين... وهذه لم يعد لغزاً استمرار قوتها لكونها إحدى قاطرات الأهداف الإيرانية، في بلد عربي متاخم للحدود السعودية. قاطرة كلّفت الخزينة الإيرانية المرهَقة بالعقوبات الدولية والأميركية، الكثير للتمويل والتسليح والتدريب، لتصبح حتى بعد «عاصفة الحزم»، وفق الطروحات الإيرانية المكررة «القوة الأكثر تأثيراً» في تحديد مستقبل اليمن!
أما المتغيّر الثاني فهو على الجبهة السورية، وانقلاب ميزان القوة، رغم كل ما قدّمه «الحرس الثوري» وسواه دفاعاً عن النظام في دمشق، أو ما بقي منه. وما يحصل عملياً في سورية، كما في اليمن، نُذُر تحولات ليست حتماً في مصلحة من اجتهد ليقاتل بدماء غيره، وعلى أرض ليست إيرانية. أبدعت طهران في صنع وكلاء، لكنّ المحاصيل في موسم الحصاد، ليست بالطبع مجرد طموحات، وحسابات بالسياسة والأحلاف والتمويل.
سقط مهندس «الممانعة» في فخ وهم الانتصارات التي يروّج لها، وظنّ أن المنطقة العربية التي كانت يائسة بعد تداعيات «الربيع» والثورات، ستهلّل له، وتنتظره مرشداً لمستقبلها.
لكن ما يثير الخوف هو الآتي وكلفته: مزيد من الدماء في سورية، وتوقّعات بفصل لبناني في الصراع عليها، فيما الحوثيون يمدّدون محنة اليمن، والحسم مع «داعش» ما زال بعيداً... على الأقل في الموصل، حيث بزغ ظلامه.
فبأي خرافة يأمل الأوروبي بدور إيراني للإنقاذ؟... يراه يقتل عربياً ويحلم بتأهيله رجل إسعاف! بعض الأمل قد يكون في صحوة المنطقة على حقيقة المصالح الدولية، ودوافعها. كل الوهم القاتل انتظار «حكمة» التريث لدى الغرب.
(نقلا عن صحيفة الحياة اللندنية)