نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرا على أثر التعديلات التي أعلنها الملك السعودي
سلمان بن عبدالعزيز، في ليلة الثلاثاء 29 نيسان/ أبريل الماضي، حول خفايا هذا القرار المفاجئ، والصراعات التي تدور في القصر الملكي.
وقال التقرير الذي اطلعت عليه "
عربي21"، إن حزمة الأوامر الملكية التي أمضى عليها الملك سلمان، قلبت موازين القوى في
العائلة المالكة، "فبرغم أن العادة جرت بأن يتم اتخاذ القرارات بشكل جماعي، فإن الملك الذي يفترض أنه يمارس الحكم مع أشقائه وإخوته غير الأشقاء، ضيَّق من خلال هذه القرارات دائرة اتخاذ القرار، وقام بضخ دماء شابة في جهاز الحكم".
ونقلت الصحيفة عن ستيفان لوروا، أستاذ العلوم السياسية المتخصص في الشؤون
السعودية، قوله إن "ما سهل هذا
الانقلاب؛ هو قرع طبول الحرب في اليمن، حيث إن أحد شقي العائلة وقف ضد قرار الحرب، وهو ما سبب شرخا غير مسبوق، وأنهى سياسة الإجماع والتسويات التي أرساها الملك عبدالعزيز، مؤسس الدولة السعودية الحديثة الذي توفي في سنة 1953".
واعتبرت الصحيفة أن الدور المركزي للملك سلمان؛ محكوم بالتراجع، بالنظر إلى سنه البالغة 79 سنة، ليفسح المجال بشكل تدريجي لوضع السلطة في يد "المحمديْن" كما يسميهما السعوديون،
محمد بن نايف البالغ من العمر 55 سنة، وزير الداخلية الذي مر من منصب ولي لولي العهد إلى ولي العهد، ومحمد بن سلمان الذي تشير أغلب التقديرات إلى أنه في الثلاثينيات من عمره، وهو ابن الملك ووزير الدفاع، وقد أصبح وليا لولي العهد.
وقالت الصحيفة إن الخليفة السابق لسلمان، الأمير مقرن - الذي غاب عن الأنظار منذ بداية الحملة في اليمن، ما زاد من التكهنات بكونه معارضا لها - اختفى بمقتضى هذه التعديلات من الهيكل الملكي "بجرّة قلم". وقد ظهر السعي لتقليص عدد أعضاء الفريق الحاكم، من خلال منح الأميرين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان مناصب إضافية؛ منذ شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، على رأس مجلسين وزاريين، ما يمنحهما سلطة مطلقة على الشؤون الأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
وأضافت أن محمد بن نايف نجح أيضا في وضع أحد الموالين له - وهو خالد الحميدان - على رأس جهاز الاستخبارات، بعد أن كان قد عمل تحت إمرته عندما كان يقود "الحرب ضد الإرهاب".
وفي المقابل؛ فقد لاحظت الصحيفة أن الوزارة السيادية الثالثة - وهي وزارة الشؤون الخارجية، التي خرج منها سعود الفيصل بعد أربعين سنة قضاها على رأسها - وضع فيها الملك سلمان رجلا لا يُعرف عنه أنه من مقربيه، وقالت إن عادل الجبير - الذي كان يشغل منصب سفير للمملكة في الولايات المتحدة - يُعد من الأوفياء للملك الراحل عبدالله.
واعتبرت أن عدم انتمائه للعائلة المالكة؛ يحد من هامش تصرفه، ويجعله خاضعا لتعليمات محمد بن نايف، رئيسه المباشر في مجلس الشؤون السياسية والأمنية. ونقلت في هذا السياق عن ستيفان لاكروا قوله إن "هذا التعيين يعتبر همزة وصل بين عائلة سلمان، وبين محمد بن نايف، وهي حركة ذكية؛ لأنه في هذه الفترة التي تشهد فيها المنطقة تقلبات عديدة، فإن من المهم أن يتم تشكيل فريق حاكم محدود العدد، وقادر على التعامل مع المستجدات، ولكن هذا ينطوي أيضا على مخاطر؛ لأن الملك كسب العديد من الأعداء بهذه الخطوة".
من ناحية أخرى؛ قالت الصحيفة إن الأمير طلال، الأخ غير الشقيق للملك سلمان - الذي عرف عنه اتخاذه مواقف جريئة ومستقلة - لم يتردد في التعبير عن امتعاضه، حيث نشر تغريدة على "تويتر" عبّر فيها عن "رفضه لمبايعة المحمدين"، داعيا إلى "عقد اجتماع عاجل لمجلس العائلة"، المؤسسة التي يُفترض أن تقوم بالتحكيم عند وجود نزاعات داخلية.
وأضافت أن السعوديين لا يُسمح لهم بالتعبير عن آرائهم في هذا الموضوع، ولكن الأمير طلال الملقب بـ"الأمير الأحمر"، لا يتردد في الصدع بمواقفه، حيث كان في فترة الستينيات قد أعلن عن دعمه لجمال عبد الناصر ضد عائلته أثناء الأزمة اليمنية، وهو ما كلفه الحرمان من تقلد المناصب السياسية.
ونقلت الصحيفة عن أحد العارفين بشؤون القصر الملكي، قوله إن "إبعاد الأمير مقرن لا يمكن أن يمر مرور الكرام، لأن البعض يرون في هذه الحركة تنكرا لذكرى الملك عبدالله، الذي عيّنه وليا للعهد في سنة 2013. ولذلك فهذه سابقة خطيرة، وما الذي سيمنع محمد بن نايف أيضا، عندما يتسلم المنصب، من تعيين أحد إخوته وليا للعهد في مكان محمد بن سلمان؟".
واعتبرت الصحيفة أن محمد بن نايف "الذي يتميز بالصدق والكفاءة" يحظى بقدر من الإجماع في الأوساط السياسية السعودية، ولكن قرار تعيين محمد بن سلمان أثار حفيظة كثيرين، "فهذا الشاب يمتلك مسيرة قصيرة غير حافلة بالتجارب، كما أن الملاحظين يؤكدون أن سلمان له أبناء آخرون أكثر قدرة على تحمل المسؤولية".
ونقلت "لوموند" عن محلل سياسي عربي فضل عدم ذكر اسمه، قوله إن "سلمان تمكن من فرض إرادته بالقوة؛ لأنه يحظى بدعم رجال الدين والتيار المحافظ، الذي يُعد سلمان أحد مسانديه".
وأضافت أن الحديث عن توترات في داخل العائلة المالكة، حول المسائل المتعلقة بالعادات والأعراف، أصبح متواترا بشكل لافت، حيث إن العديد من الدبلوماسيين الغربيين أصبحوا يشتكون، بشكل غير علني، من صعوبة تنظيم أنشطة ثقافية في المملكة، كما أنها تدور شائعات حول تزايد نفوذ "المطاوعة"؛ الشرطة الدينية المسؤولة عن فرض أحكام الشريعة. بالإضافة إلى إمكانية إلغاء منح الدراسة في الخارج.
وفي الختام؛ اعتبرت الصحيفة أن كل هذه المؤشرات، تنبئ عن أن هذه الحكومة المحدودة العدد، والأصغر من حيث معدل الأعمار؛ قد تأخذ منحى أكثر محافظة من سابقاتها.