نشرت صحيفة لوموند الفرنسية تقريرا حول سلوك جيش الاحتلال
الإسرائيلي، والانتهاكات التي يرتكبها في حق الفلسطينيين، والخسائر الكبيرة التي يتعمد إيقاعها في صفوف
المدنيين عند كل معركة مع فصائل المقاومة الفلسطينية.
ونقلت الصحيفة، في هذا التقرير الذي اطلعت عليه "عربي21"، عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قوله، "إن
الجيش الإسرائيلي هو أكثر جيوش العالم التزاما بالأخلاق"، في حين يواجه جنوده اتهامات متزايدة بارتكاب
جرائم حرب خلال عملية "الجرف الصامد" في 2014.
وأفادت الصحيفة أن موقف إسرائيل من قانون الحرب قد شهد تطورا ملحوظا خلال الاثتني عشرة سنة الماضية، إلى أن تم إفراغ القانون الإنساني الدولي من معناه، حيث صرح نائب المدعي العام العسكري إلي بار أون بأنّ "معاهدة جنيف تم صياغتها منذ ستين سنة لتتلاءم مع فترة ما بعد الحرب، وأن الواقع اليوم يفرض سن قوانين جديدة للتعامل مع الجيوش غير النظامية والمنظمات الإرهابية" بحسب الوجهة النظر الإسرائيلية.
كما تعرض المقال إلى مبدأ الحكم على تصرفات الجيش خلال العمليات العسكرية، والقائم على التفرقة بين الجنود والمدنيين، واستعمال القوة بشكل يتناسب مع حالة الجهة المستهدفة، وذلك حسب الفصل 57 من البروتوكول الإضافي لمعاهدة جينيف، الذي يفرض على الدولة الأقوى "ضرورة التأكد أن الأهداف المزمع مهاجمتها هي ذات طابع عسكري، وضرورة الحرص على إبقاء الخسائر الجانبية في أدنى حد ممكن".
وأضافت الصحيفة أنه بينما ينص قانون "روح الجيش الإسرائيلي" على مبادئ المثالية والاحترافية والانضباط، ويؤكد على ضرورة عدم المساس بأي مدني، فإن عمليات التفجير والاغتيال العديدة التي أمرت بها الدولة العبرية تبين عكس ذلك.
كما أشارت الصحيفة إلى أن اللواء آموس يدلين ، مدير المدارس العسكرية، كان قد وقع في 2003 مع آسا كاشر، الأستاذ بجامعة تل أبيب، على نص يبرر الاغتيالات حتى لو كان ذلك سيؤدي لسقوط ضحايا مدنيين. وأوضحت أن هذا الضابط رفيع المستوى جمع فريقا من الضباط والخبراء، ليضعوا مشروع قانون حرب ضد الإرهاب سيتم اقتراحه لاحقا على الجيش.
وقالت الصحيفة إن يدلين وكاشر كانا قد نشرا في 2005 كتيبا بعنوان "القوانين العسكرية في الحرب ضد الإرهاب"، أصبح مرجعا منذ ذلك الوقت، حيث صرح آموس يدلين أن ذلك الكتيب سيتناسب أيضا مع احتياجات الأمريكيين والروس في حربهم ضد الإرهاب، حسب قوله.
ولفتت الصحيفة إلى أن هذا الكتيب المقترح ينص على الإبقاء على قوانين معاهدة جينيف، ولكن مع ضرورة الاجتهاد في تفسيرها بحسب اختلاف العدو، وهو الأمر الذي يعني على أرض الواقع، عدم إلزام الجيش الإسرائيلي بالتمييز بين المقاتلين والمدنيين، باعتبار أن المقاتلين لا يعتمدون زيا موحدا، ما يبرر قصف المناطق السكنية واستهداف المدنيين.
وفي نفس الإطار، أكدت الصحيفة أن الأولوية القصوى للجيش الإسرائيلي هي سلامة الجنود وإصابة العدو بأكبر نسبة من الخسائر، من دون أن تثني المواقع المأهولة بالمدنيين الجيش عن إتمام مهمته. وأشارت إلى أن هذا الأسلوب تمت تسميته، بداية من حرب لبنان في 2006، "بعقيدة الضاحية"، نظرا للخسائر الكبيرة وغير المسبوقة التي تكبدتها الضاحية الجنوبية لبيروت خلال تلك الحرب مع حزب الله.
وأضاف المقال أن موضوع تعمد إيقاع الخسائر موضوع شائك، كان محور العديد من النقاشات بين الخبراء، حيث اختلفت الآراء بين من يقول أن الحد المقبول هو قتيل إسرائيلي لكل عشرة فلسطينيين، وبين من يعتبر أن المنطق يفترض سقوط قتيل من كل جهة. كما نقل عن آسا كاشر أنه من الخطأ اعتماد صورة لطفل فلسطيني متوفى للحديث عن عدم التناسب في الخسائر، بل من الأحرى أن يتم الفصل في الأمر بحساب الإنجاز العسكري الذي تم تحقيقه ومقارنته بالخسائر الجانبية، حسب قوله.
كما أفادت الصحيفة أن للجيش الإسرائيلي إجابتان جاهزتان ضد الانتقادات الموجهة إليه، حيث يصف حماس بأنها "تنظيم إرهابي" يعتمد المواقع المدنية كمخبأ له، ويزعم أنه يقوم بتنبيه المدنيين قبل الغارات، وذلك من خلال مكالمات هاتفية أو إطلاق صواريخ تحذيرية، فيما بات يعرف بـ"دقات فوق السطح."
وفي السياق ذاته، أضافت الصحيفة أن الجيش الإسرائيلي يرى أن "كل مدني يبقى في المنطقة بعد الإنذار يصبح درعا بشريا، أي أنه مدني يحمي العسكريين، ما يجعله عسكريا أيضا بحسب نظرية التناسب".
كما أشارت الصحيفة إلى أن أستاذ الفلسفة آسا كاشر قد صرّح، بعد دراسته لموضوع متابعة الضباط الإسرائيليين من قبل المحكمة الجنائية الدولية، أن نقاش جرائم الحرب في المثال الإسرائيلي هو ملف ذو طابع سياسي وليس قانونيا.
وفي المقابل، نقلت عن رئيس القيادة الشمالية ، الجنرال غادي ايزنكوت، تصريحه في 2008 أنه في حالة حرب جديدة ضد لبنان، فإن إسرائيل ستسعمل قوة "لا متناسبة" في تعاملها مع حزب الله، وتأكيده أن هذا الأمر ليس مجرد اقتراح بل هو قرار تمت المصادقة عليه.
كما أضافت أن الجنرال غادي، الذي أصبح رئيس أركان الجيش بعد تصريحه هذا، كان قد أكد أنه إذا ما تم إطلاق صاروخ واحد من القرى اللبنانية ضد إسرائيل، فسيقع اعتبارها قواعد عسكرية وليس قرى مدنية.