بعض
الإخوان عندما تنتقد الجماعة وبعض مواقفها، وأسباب الخلل في أدائها، يرفض نقدك قائلا: ليس لك أن تنتقد أدائي أو عملا ما أقوم به حتى تأتيني ببديل أفضل، وإلا فاتركني كما أنا وشأني؟ مستشهدا على ذلك بأن الله ما حرم شيئا إلا أوجد له بديلا حلالا، فقد حرم الله الربا وأوجد بديلا وهو التجارة الحلال، وحرم الزنا وأوجد الزواج الحلال.
وهذا قياس باطل، إذ إنك يا عزيزي تقارن بين الله الذي يملك الكون كله، ويملك التحليل والتحريم، وهو العليم الخبير، بينما الإنسان الذي ينصحك ويصوب مسيرك هو إنسان محدود القدرات مهما أوتي من علم، فلعلمه حدود، ومعنى ذلك أن ترفض تقرير طبيب التحاليل الطبية مثلا، فهو ينبئك من تحاليل الدم التي تجرى لك أن عندك سرطانا في الدم، هل تقول له: كلامك فارغ وباطل ولن أقبله حتى تكتب لي الدواء، هذه ليست وظيفته، عليك أن تأخذ معك التحاليل للطبيب المعالج ليقول لك العلاج المناسب هو كذا.
قد تكون قدرتي فقط هو رؤية
الخطأ، وتحذيرك منه، ومحاولة تصويبه لك، لكن كيف التصويب ليست هذه وظيفتي، هناك مراكز بحوث علمية عالمية ليس لها من مهمة سوى أمر واحد: قياس أداء المؤسسات، وبيان مواضع الخطأ، أما العلاج والحل، فهذه مسؤولية ومهمة مؤسسات أخرى كبرى معترف بها، والتنفيذ يكون مهمة مؤسسات أخرى كذلك، وهكذا الدنيا في كل تخصص.
أعلم أن أناسا في الإخوان تحتاج للإقناع بمبدأ أن يضاف للإقناع العقلي دليل من الشرع، ولا بأس في ذلك، والنموذج البارز في حياة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك: هو قصة الأذان في الإسلام، فقد تمنى عمر بن الخطاب أن يكون للمسلمين وسيلة تخبرهم بالصلاة وموعدها، تختلف عن وسائل اليهود والنصارى، فرأى سيدنا عبد الله بن زيد الأذان في منامه، فذهب يخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: حفظها بلالا فإنه أندى صوتا منك.
ما أروع هذا الحديث الذي يحدد مهام كل إنسان في عملية
النقد والتصحيح والتنفيذ، فعمر صاحب نظرة نقدية، يرى الخطأ ولا يسكت عنه، فتنبه له، ونبه إليه، وتمنى أن تكون هناك وسيلة، وعبد الله بن زيد رجل ألهمه الله بالرؤية والحل، وجاء به لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقدمه له، لم يقل له صلى الله عليه وسلم: أنت صاحب الاقتراح والفكرة نفذها إن كنت صادقا فيها، بل علم صلى الله عليه وسلم أن حدود الرجل تقف هنا، وأن التنفيذ يحتاج شخصا آخر أمهر وأفضل لنجاح هذه الفكرة، فقال: حفظها بلالا فإنه أندى صوتا منك. فعمر ناقد، وابن زيد صاحب حل وفكرة، وبلال منفذ فقط، فكل له دوره ولا تداخل بين الأدوار.
بالمناسبة؛ معظم مواقف عمر بن الخطاب كانت بهذا الشكل، يتنبه لخلل، أو خطأ ما، ويظل يلح عليه، فآية الحجاب كانت بسؤال من عمر، وآية تحريم الخمر كذلك، ومواقف كثيرة تشريعية وغير تشريعية لعمر رضي الله عنه كتب فيها العلماء عن أوليات عمر بن الخطاب، ولم يوصف من الصف الإسلامي بأنه كثير النقد، وكثير الكلام والجدل، و(كلمنجي)!
أعرفت يا عزيزي الإخواني فردا كنت أم مسؤولا أن النقد والمراجعة تقبل حتى ممن لا يمتلك حلا لمشكلتك، ويكفيه أنه كان ناصحا لك، ومنبها على خطأ ربما يودي بحياتك، فدورك يبدأ بعد تنبيهك للخطأ، ودلالتك عليه بأن تعترف به، ثم تبحث عن علاج مناسب لهذا الخطأ، أما الرفض وعدم القبول بالنقد بدعوى: ليس في الإمكان أبدع مما كان، فهو كلام سيودي بك إلى الهاوية، لأن قدرات الإخوان وطاقاتها المعطلة بفعل فاعل، تقول: في الإمكان أبدع مما كان، لكن من يلقي بالحجر في الماء الراكد ليحركه بكل ما فيه من خير؟!