منذ أن أمسك العسكر بزمام الحكم في مصر، وحب الظهور بمظهر الحريص على الدين سمة من سمات هذا الحكم، بينما في الحقيقة لا يدل حال الحكم العسكري إلا على عداء واضح مع التدين، وفي أحيان أخرى مع الدين نفسه.
فعبد الفتاح
السيسي الذي يدعو لتجديد
الخطاب الديني في مصر الآن، هو نفسه السيسي الذي أراق دماء المصريين، وانتهك أعراضهم، وألغى الحريات فيها، فلا تتعجب من تصنع العسكر معرفة الإسلام، بل وادعاء تجديده، فهي موضة قديمة، منذ انقلاب العسكر في يوليو 1952م.
فقد صارت المؤسسة الدينية برمتها تحت قيادته، ولم يكتفوا بذلك، فقد كان المشرف على مجلة (منبر الإسلام) وعلى إصدارات المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، محمد توفيق عويضة، وهو أحد رجال العسكر في عهد عبد الناصر، وكان بعض العسكر يكتبون مقالات في تفسير القرآن.
فلا تتعجب مثلا أن تجد حسين الشافعي، وهو الذي حكم على عبد القادر عودة الفقيه الكبير بالإعدام، لا يتورع أن يكتب مقالات في مجلة (منبر الإسلام) عن التفسير، وعن السيرة النبوية، والعجيب من بين الآيات التي فسرها حسين الشافعي، قوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) النساء: 93!!!
بهذا المنهج العسكري الممسك بمسبحة في يمناه، والسلاح الذي يقتل به الشعب في يسراه، يتعامل الحكم العسكري، لقد أيقن السيسي من خلال خبرائه الإعلاميين من حوله، أن أيسر الطرق لتسويق مشروعه الانقلابي غربيا هو التركيز على نغمة يهواها الغرب، وهو الحديث عن الإرهاب، وعن تجديد الخطاب الديني الإسلامي، وهذا بعد أن ضمن أن المؤسسة الدينية بكل فروعها ملك يده، ولا يملك فرد فيها أن يرد له كلمة، ولسنا ضد تجديد الخطاب الديني، فهو أمر أوجبه الإسلام قبل أن يدعيه السيسي، فالقرآن الكريم فيه التجديد في خطابه، فنرى في القرآن سورا مكية، وسورا مدنية، ونرى الخطاب فيهما مختلفا عن الآخر، ففي السور المكية لها خطاب خاص يتناول العقيدة الإسلامية، من حيث الإيمان بالله، واليوم الآخر، وبقية أركان الإيمان، بينما الخطاب المدني، يركز على التشريع من عبادات، ومعاملات، وأخلاق.
لكن التجديد في الإسلام يشترط شرطين مهمين، لا ينطبقان على السيسي ولا مؤسساته الدينية، وهما: أن يكون من أهله، وفي محله. أي من أهل العلم الموثوق في علمهم ودينهم، وفي محله، أي فيما يقبل التجديد من حيث الوسائل، وبعيدا عن القطعيات والثوابت الذي لا تقبل التجديد، وإلا صار تبديدا لا تجديدا.
وهي شروط لا تنطق على السيسي، أو على مؤسساته الدينية قطعا، وذلك من خلال الشواهد والمواقف التي رسبت فيها المؤسسة الدينية بجدارة، وظهرت فيها أنها بوق لهذا النظام، فهذه المؤسسة حرمت الخروج في المظاهرات وقت مبارك، وأجازته وجعلته واجبا وقت مرسي، وبينت أن الخروج المسلح على الحاكم ليس كفرا، ولكنه معصية، بينما في عهد السيسي أفتت نفس المؤسسة بأن حمل المصاحف في المظاهرات خيانة لله ورسوله وللدين والوطن. أي أن حمل السلاح ليس خيانة لله ولا رسوله ولا للوطن، بينما حمل المصحف فقط هو الخيانة، فكيف تؤتمن مؤسسة هذا حالها على الدين، بينما جعلت الدين ألعوبة في يد حكم العسكر، تنتقي منه ما يشاء، وقتما شاء.
وقد أعلن السيسي مرارا أنه المسؤول في مصر عن الدين إسلامي ومسيحي، فهل سيوجه نفس الدعوة للكنيسة لتجديد خطابها الديني؟ أم أن التجديد والدين عند انتقاد حكم العسكر يقتصر فقط على الدين الإسلامي، لأن الكتالوج الغربي يركز فقط على الإسلام، أما الحديث عن المسيحية فسيعتبر فتنة طائفية، وخطابا طائفيا يخشاه السيسي؟!!