كشفت صحيفة "معاريف"
الإسرائيلية الاثنين، عن حقيقة الخدعة التي مارسها الجيش الإسرائيلي ضد الجيش الأردني خلال
معارك القدس المحتلة، عامي 1948 و1967 وكيف استطاع إدخال وحدة من الجيش الإسرائيلي تحت سمع وبصر الفيلق الأردني وقوات الأمم المتحدة، وفق الصحيفة.
رواية صحيفة "معاريف" المزعومة، رواها الضابط الإسرائيلي السابق إفرايم غنور، على أنها إحدى القصص البطولية للجيش الإسرائيلي التي لم يتطرق إليها أحد وتم إخفاؤها طوال سنوات انتظارا لليوم الذي يصدر فيه الأمر، بحسب الصحيفة.
وفي تفاصيل الرواية، يبدأ غنور قصته من اتفاق الهدنة بين إسرائيل والأردن الذي تم التوقيع عليه في نيسان 1949 في رودوس، وكيف تم إبقاء جيب إسرائيلي على جبل المشارف (وفي داخله مستشفى هداسا والجامعة العبرية) في المنطقة الأردنية.
وتابع بالقول: "حدد الاتفاق أن تقوم قوة شرطية إسرائيلية بحماية الجيب وسمح بأن تصعد قافلة إلى الجبل لتنقل قوة الشرطة هذه، وكذلك أيضا لنقل التموين والمحاضرين في الجامعة والأطباء من هداسا. بند آخر في الاتفاق حدد حظرا على استخدام الأسلحة فوق قطر نصف إنش".
وبعد أن سرد نص الاتفاق، شرع غنور في حكاية الوقائع، منوها إلى أن عددًا لا بأس به من المنشورات التي صدرت تحدثت عن الجيبات المفككة التي أخفيت أجزاؤها في المصفحات وهربت إلى الجبل، وتحدثت عن الأنفاق والجحور التي حفرت تحت الجبل وعن كميات كبيرة من الوسائل القتالية والمواد المتفجرة.
وأضاف الكاتب أن رجال الشرطة الذين صعدوا في القافلة كانوا في الحقيقة جنودًا من الجيش الإسرائيلي وصلوا إلى معسكر شنلر وحصلوا على زي الشرطة واجتازوا تدريبا قصيرا. كما أن موكب الصعود إلى جبل المشارف الذي كان يبدأ من بوابة مندلبوم الأسطورية بإشراف ضباط من قوات الأمم المتحدة، بدا أكثر من مرة كاستعراض.
ونوه إلى أن ضباط استخبارات وضباطًا من وحدات مختلفة، من الذين خدموا في القطاع الأردني، صعدوا إلى الجبل تحت غطاء أطباء ومحاضرين من أجل جمع المعلومات الاستخبارية ودراسة المنطقة ورصد ما وراء منطقة معاليه إدوميم وغور الأردن، حيث ركز الفيلق معظم قواته.
تجربة طرق ليلية
وكشف غنور عن أن السر الأكبر للقدس في تلك السنوات كان سرية الدبابات التي أخفيت فيها، والتي كانت لها أهمية حاسمة في القتال على القدس في حرب الأيام الستة. وكانت بداية قصة سرية الدبابات في احتفالات العقد الأول لإقامة دولة إسرائيل. حينها طلبت إسرائيل من الأردن بواسطة قوات الأمم المتحدة أن تجري في العاصمة استعراضا عسكريا، ومن بين ما طلبته كان السماح لها بإحضار كتيبة دبابات "شيرمن إم 1" من أجل المشاركة في العرض، وأرفق بالطلب تعهد بأن يتم في اليوم التالي للاحتفال عودة الدبابات إلى وسط البلاد.
وتابع بالقول إن الأردنيين عارضوا بشدة، ولكن بعد عمليات إقناع بوساطة متفانية من ضباط الأمم المتحدة فقد تم الاتفاق على أن يجرى العرض في ستاد الجامعة العبرية في جفعات رم، وأن تهتم قوات الأمم المتحدة في القدس بأن تغادر كل الأسلحة المحظورة وفي الأساس الدبابات، القدس حال الانتهاء من العرض.
وبالفعل، فإنه في نهاية العرض أنزل الجيش الإسرائيلي عن الجبل فقط ثلاث سرايا: السرية الرابعة قسمت إلى قسمين – ست دبابات أخفيت في ثلاثة أجنحة أُعدت مسبقا داخل معسكر شنلر في قلب القدس، وثماني دبابات أخرى تم إحضارها بعملية عسكرية مركبة لمعسكر ستف بين عين كارم وكيبوتس تصوبا، وفقًا لـ"معاريف".
وقال غنور إن عملية إبقاء سرية الدبابات في القدس تم القيام بها بعناية بالغة. فخلال إخلاء السرايا الثلاث تمتت دعوة رجال الأمم المتحدة إلى حفل عيد الاستقلال الذي أقامه الجيش الإسرائيلي على شرفهم في أحد النوادي الليلية في يافا. وأثناء الاحتفال في يافا مع الكثير من الكحول تمركزت سرية الدبابات الرابعة في القدس.
وحول طريقة إخفاء الدبابات قال الكاتب إنها أخفيت في ثلاثة أجنحة في معسكر شنلر، وكل واحد من الأجنحة بدا كمبنى عادي في واجهته بوابة مع نوافذ. ومع ذلك، فإنه في الجزء الخلفي للجناح هدموا الحائط ووضعوا عليه بوابات حديدية كبيرة مكنت من خروج ودخول الدبابة. والدبابات الثماني في معسكر ستف تم تخزينها تحت مظلة دبابات عادية.
الراوي ينضم لأحداث القصة
وأشار غنور إلى أنه كان في ربيع 1965، بفترة ما قبل إنهاء التدريب في معسكر تسالم الذي تضمن تدريب طواقم من الاحتياط الذين اجتازوا عملية تحول الدبابة الجديدة – القديمة من إنتاج الصناعات العسكرية "شيرمن إم 51". مؤكدًا أن قائد الكتيبة بن ميمون استدعاه وقال له: "في يوم الخميس اجمع أغراضك الشخصية، وفي نهاية عطلة السبت ستذهب إلى القدس". نظر غنور إليه بدهشة وقال: "القدس؟ ماذا سأفعل هناك؟ منذ متى توجد هناك دبابات؟". قائد الكتيبة الذي شعر بارتباك أجاب فورا: "لا تقلق، هذا ليس عقابا، هذا هدية. ستصل إلى شنلر وتمثل أمام الرائد طرزان (ديفيد بن عوزئيل من الوحدة 101، وهو ضابط عمليات اللواء 16)، وهناك ستتلقى منه شرحا عن مهمتك القادمة".
ويروي غنور أنه "في يوم الأحد ذاك وبعد توجيه دقيق من قبل طرزان، تعرفت على المهمة. وقد وقعت على تصريح سري لمدة عشرين سنة، وسارعت لمقابلة طاقم الطوارئ الخاص بي، الذي تولى الإشراف على سرية الدبابات الأكثر سرية في الجيش الإسرائيلي، سرية كانت مكونة من دبابات (سوبر شيرمن) من بقايا الحرب العالمية الثانية".
ونوه إلى أن سرية الدبابات كانت جزءًا من كتيبة القيادة المدرعة 182 لقيادة المركز. والتي كان كل طاقمها من رجال الاحتياط وكان على رأسها الرائد احتياط أهارون كمارا، وهو شخصية مقدسية معروفة.
وبحسب غنور، فإن الدبابات الست التي أخفيت في معسكر شنلر كانت مملوءة بالوقود ومسلحة وجاهزة للخروج الفوري لأي مهمة. كان ملقى علينا كطاقم طوارئ عدد من المهمات، الأولى أن نكون مستعدين للانطلاق في كل لحظة خلال اليوم حيث إن الهدف الأول هو تقديم المساعدة أثناء الهجوم على جبل المشارف أو على القافلة. كان علينا التعرف جيدا على المحور الذي يوصل إلى جبل المشارف، وأن ندرس ونتعرف على كل موقع أردني في المنطقة بما في ذلك نوع وكمية الأسلحة في كل موقع.
وتابع بأن إحدى مهامّه كانت التعرف على كل أفراد الطاقم في السرية – الأسماء والوظائف ومكان السكن والعمل. وفي حالة الاستعداد العالية والتهيؤ للعمل في القدس كان علينا استدعاؤهم بدعوة صامتة، بواسطة سيارة طوارئ وضعت تحت تصرفنا. والمهمة الثالثة هي أن نهتم كل يوم من جديد بأن تكون الدبابات صالحة، وهذا اقتضى منا تشغيلها أثناء وجودها داخل الأجنحة بدون فتح النوافذ حتى لا يتم إحداث ضجة ودخان أكثر من اللازم.
وأشار إلى أنه في إحدى المرات قام هو وأحد زملائه بتشغيل دبابتين في نفس الوقت في أحد الأجنحة فأغمي عليهما، وتم نقلهما للمستشفى. وقال غنور: عندما استيقظت سألني الطبيب: أين تنفست كل هذا الدخان؟ فأجبته أننا شغلنا موتور في غرفة مغلقة في شنلر. الحفاظ على هذا السر الكبير كان مهما جدا لدينا. كان هذا هو السبب الذي ذهبنا فيه بملابسنا المدنية وقلنا لجنود القاعدة في غرفة الطعام في المعسكر بأننا من وحدة تلقي القبض على المتهربين من الخدمة. وعرفانا بفضل رجال الاحتياط للوحدة المقدسية علينا القول إنه من الصعب أن نرى اليوم إخلاصا كهذا لوظيفة في الاحتياط.
وأكد غنور أن قائد السرية كان يأتي مرتين في الأسبوع إلى شنلر. الضباط والجنود هبوا للمساعدة عندما كان علينا إخراج الدبابات مرة في السنة من الأجنحة لتجريب الطريق – جولة قصيرة في ستف، بعيدا عن العيون. في تلك الأيام التي نفذت فيها تجارب الطريق كان هناك من اهتم بتنظيم حفلات في تل أبيب لجنود الأمم المتحدة. وعندما يحل الظلام، كانت ناقلة الدبابات المدنية تدخل إلى شنلر وكانوا يحملون عليها الدبابة ونذهب إلى ستف. هناك في الطريق الجبلي كنا نسير نحو ساعتين ونفحص الأجهزة، وبعد ذلك نذهب لإحضار دبابة أخرى. بعد ثلاث ليال أنهينا التجارب على الدبابات الستة. أما مع الدبابات الموجودة في معسكر ستف فلم تكن هناك مشكلة في تنفيذ تجربة الطريق، لكننا حرصنا هناك على تنفيذ حركة الدبابات في الليل فقط.
الأمر الذي لم يصل
وتابع الكاتب فصول قصته بالقول: "تلك الأيام من ربيع 1965 أصبحت متوترة. في كانون الثاني تأسس تنظيم فتح الذي بدأ بتنفيذ العمليات، وفي الأساس من الحدود الأردنية، وخطط بحسب المعلومات التي حصلنا عليها لمهاجمة القافلة في طريقها إلى جبل المشارف.
ونوه إلى أنه في ليل 4 أيلول/ سبتمبر من تلك السنة، وردا على نحو ثماني عمليات إرهابية نفذتها حركة فتح من مناطق يهودا والسامرة، قامت قوة مظليين بتنفيذ عملية تفجير لـ11 بئرا ومضخة مياه كانت تروي الحقول في منطقة قلقيلية. في صباح ذلك اليوم، كانت القافلة ستذهب إلى جبل المشارف. من القيادة بدأت الإنذارات بالتدفق عن نية واضحة لـ"فتح" في تنفيذ عملية انتقام ضد القافلة وضد قواتنا في الجبل.
ويقول: "وصلت في صباح ذلك اليوم إلى القدس سرية من كتيبة المظليين 890 واستعدت لكل تطور، وقبل خروج القافلة من المندلبوم باتجاه جبل المشارف تلقيت أمرا بإخراج دبابة من الجناح في شنلر وأن أكون مستعدا. كنا أولادا، لم نكن نخاف في ذلك الوقت من الحرب، لهذا ابتهجنا بالدخول في قتال – بهجة كانت مختلطة بالمغامرة الشبابية".
وقال غنور: "أذكر أن سائق الدبابة سألني ضاحكا في تلك اللحظات من التوتر: قل لي، إذا كان الضوء أحمر في الإشارة الضوئية في شارع أسباط إسرائيل، فهل نتوقف أم نواصل السير؟ إخراج الدبابة من الجناح أذهل الجيران حول المعسكر. جنود كثيرون في شنلر، حتى تلك اللحظة لم يعرفوا عن الدبابات في المعسكر، كانوا مصعوقين. كنا على اتصال مع قوة المظليين التي استعانت بنا بالمعلومات عن مواقع الفيلق. أجهزة الاتصال اللاسلكية لم تتوقف وكنا متأهبين في الدبابة بانتظار الأمر الموعود (تحرك، تحرك، انتهى). الأمر لم يسمع والقافلة وصلت إلى الجبل وأنزلت الجنود والمعدات والطعام، القوة التي نزلت من الجبل عادت بسلام وكلهم تنفسوا الصعداء، وعادت الأمور إلى مجاريها".
وشدد على أنّ السرية المقدسية المدرعة كان لها دور مهم وحاسم في الحرب على مدينة القدس في حرب الأيام الستة، وهو دور تم إخفاؤه. السرية انقسمت إلى قوتين، الأولى بقيادة كمارا وعملت في جنوب شرق المدينة إلى جانب مقاتلي اللواء 16 المقدسي، وهو الذي أخضع في الساعات الأولى للمعركة الفيلق الأردني الذي سيطر على قصر المندوب السامي.. كمارا الذي اندفع على رأس فصيلي دبابات مكّن قوات المشاة من إخضاع الأردنيين والسيطرة على المكان. في القطاع الشمالي عمل قائد الفصيل رافي يشعياهو مع قوة المظليين التي اندفعت باتجاه مدرسة الشرطة في مبنى تلة الذخيرة، الذي سيطر من موقع متقدم على الطريق إلى جبل المشارف.
واستدرك بالقول: "لقد قيل وكتب الكثير عن المعركة البطولية للمظليين في خنادق تلة الذخيرة. لكن لم تُذكر في أي مكان الجملة التي قالها أحد ضباط الفيلق الذي وقع في الأسر خلال القتال: مقاتلونا على تلة الذخيرة قاتلوا ببطولة، الأمر الذي أخضعنا كان الدبابة التي أطلقت بدون توقف وأصابتنا بإصابات شديدة". ويوضح أن "تلك كانت دبابة رافي يشعياهو الذي قاتل طوال تلك الليلة مع فصيله في تلة الذخيرة. خلال المعركة على القدس وتوحيدها شاركت الدبابات في المعارك على مستشفى المطلع وجبل الزيتون، والمعركة للسيطرة على البلدة القديمة".
وختم غنور روايته بالقول: "هذه هي قصة سرية الدبابات السرية للجيش الإسرائيلي التي نجحت في الحفاظ على سرها مدة تقارب العقد. سرية أخفيت بشكل جزئي في قلب القدس وهي مستعدة وجاهزة. وفي يوم صدور الأمر أثبتت أن الجهود لإخفائها وصيانتها طوال سنوات كانت صحيحة، ومثل الدبابات المتواضعة فيها كان أيضا أفراد طواقمها، متواضعين ومتفانين ووطنيين وشجعانا، يستحقون أن يكونوا في رأس قائمة أولئك الذين بفضلهم تم توحيد القدس".