أمام منفذ جسر بزيبز في مدينة الفلوجة، تجلس أم عدي المحمدي مع أبنائها الخمسة على التراب، مفترشة الأرض، ويدها على خديها من شدّة الحزن، بعد منعها من العبور باتجاه العاصمة بغداد، محاولة العثور على مكان آمن لأبنائها.
تقول أم عدي لـ"
عربي21": هذه المرة الثانية خلال شهرين التي أتمكن من الهرب فيها من
الرمادي نازحة بسبب اشتداد المواجهات، وسيطرة مقاتلي
تنظيم الدولة الإسلامية على حي الشركة، حينها خرجت إلى الشارع وشاهدت الأهالي يفرون بسرعة بين الأزقة، ويمشون مستترين بجدران المنازل". وتضيف: "رأيت الأطفال والنساء يرتجفون خوفا وهربا من سقوط قذائق الهاون، وكان أزيز الرصاص يمر فوق الرؤوس، عندها توقفت سيارة وأخذتني أنا وأولادي وانتهي بنا المقام عند صحراء جسر بزيبز" حسب قولها.
وتشير أم عدي إلى أنه "رغم أننا ننام على التراب دون أي أماكن إيواء وحماية، ينظر إلينا عناصر الأمن وكأن الأمر لا يعنيهم". وتقول: "أولادي ما زالوا أطفالا صغارا، ولايستطيعون تحمل الجوع والعطش، وقساوة الجو والحر الشديد في هذه الصحراء القاحلة، ولا يوجد ما أصنعه لهم للتخفيف من معاناتهم. فصبري نفد، ولذلك أناشد الخيرين في الحكومة
العراقية وزارة الداخلية أن يسمحوا لي بالعبور".
وفي مدخل بزيبز الذي يؤوي آلاف الأسرة النازحة مؤخرا من أحياء مركز الرمادي بعد سيطرة تنظيم الدولة، لا يزال أبو مروان سيف الجميل يسعى جاهدا مستخدما كل الوسائل لإدخال عائلته وأمه المقعدة على كرسي متحرك؛ إلى بغداد، بعد يومين من نجاحه بإجلائهم من أحد المنازل كانوا محاصرين فيه بالقرب من شارع عشرين عند محاولتهم الفرار خارج الرمادي.
ويقول الجميل في حديثه لـ"
عربي21": "قبل أن تشتد المعارك المسلحة في الرمادي قررت البحث عن سكن بديل لأفراد عائلتي في بغداد، للحفاظ على سلامتهم، وعند وصولي العاصمة سقطت الرمادي بيد مقاتلي تنظيم الدولة، والآن نحن منذ ليلة أمس عالقون عند جسر بزيبز، وتمنع القوات الأمنية السماح لنا بالعبور".
ويتابع الجميل: "لم أدع أي وسيلة ضغط على رجال الأمن المرابطين عند المنفذ إلا واستخدمتها، وأغريتهم بالمال لكن دون جدوى"، وفق قوله.
أما توفيق الألوسي، النازح من حي شارع 17 في الرمادي، فيشير إلى أنه أنه لم يسمح له بعبور جسر بزيبز على نهر الفرات لدخول بغداد.
وقال الألوسي: "إن
النازحين يفترشون الأرض تحت حرارة أشعة الشمس، ويشربون ويغتسلون من المياه الملوثة بسبب الانقطاع المستمر للمياه المعقمة والصالحة للاستخدام، نتيجة استهداف تنظيم الدولة المتكرر لمياه الإسالة بصواريخ الكاتيوشا، وتعطيل مضخات التصفية"، حسب قوله.
وأشار إلى أن معاناتهم تتفاقم يوما بعد آخر جراء الإهمال، وقلَة المساعدات الإنسانية، الأمر الذي جعلهم لا يستطيعون تدبر أمورهم، فـ"إما أن ترحل عن الفلوجة وهذا أمر فيه صعوبة، وإذا كنت تريد الرحيل أين تذهب، لأنه لا يسمح لك بالعبور خارج الفلوجة فعليك الصبر" كما يقول.
بدورها، أكدت المنظمة الدولية للهجرة أن نحو 8 آلاف شخص نزحوا جراء المعارك بين القوات العراقية وتنظيم الدولة بمدينة الرمادي، مركز محافظة
الأنبار غربي العراق، في الأيام الماضية، خاصة بعد فرض عناصر التنظيم سيطرتهم بشكل كامل على المجمع الحكومي ومقر العمليات وسط المدينة.
وقالت المنظمة إن ما يقدر بنحو 1300 عائلة، أي قرابة 7 آلاف و776 شخصا، نزحوا، والأعداد في تزايد مستمر.
وبحسب المنظمة، فإن عدد النازحين بشكل عام داخل العراق تجاوز 2.8 مليون شخص منذ مطلع 2014، بعدما شهد شهر حزيران/ يونيو من ذلك العام هجوما شديدا للتنظيم، سيطر خلاله على مناطق واسعة شمال البلاد وغربها.