نشرت صحيفة لوفيغارو الفرنسية حوارا مع جون كريستوف روفان، المؤرخ والدبلوماسي والرئيس السابق لمنظمة مكافحة الجوع، حول سعي
تنظيم الدولة لخلق صراع واسع النطاق بين
الشرق والغرب، وهي سياسة صدام الحضارات التي اعتمدتها دول أخرى في السابق لتغيير التوازنات في العالم.
وقال روفان في هذا الحوار، الذي اطلعت عليه "
عربي21"، إن تنظيم الدولة استولى مؤخرا على مدينة تدمر التي تضم آثارا ذات قيمة تاريخية رفيعة، مع نية مبيتة لتدمير القطع الأثرية التي لا تقدر بثمن، وبث التسجيلات ليراها العالم بأجمعه، وهو ما قام به التنظيم في السابق وفي كل مرة أتيحت له الفرصة، ما ينبئ بحدوث "صدام الحضارات".
وأضاف أنه بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في سنة 1991، بدا واضحا أن الولايات المتحدة تسعى لخلق صدام بين الحضارات، وهو ما تؤكده سياسة جورج بوش المتمثلة في الذهاب للجانب الآخر من العالم لشن الحرب ضد "قوى الشر"، وشعاره الرامي لتقسيم العالم، ودفع الجميع للوقوف في صفه: "إن لم تكن معنا فأنت ضدنا".
ولكن، كما يقول روفان، يبدو اليوم أن
الغرب تخلى عن هذه "الأوهام" بعد أن اكتشف أنها فكرة سيئة، ويبدو أن طرفا آخر في الجانب الآخر، وهو تنظيم الدولة الذي يواصل انتشاره في سوريا والعراق، هو الذي يدفع نحو هذه المواجهة.
ورأى روفان أن كل الأفكار التي تبناها الغرب مباشرة بعد نهاية الحرب الباردة، حول إرساء نظام عالمي موحد، تبين أنها صحيحة وخاطئة في الوقت ذاته، حيث أن هذه الوحدة تأسست فعلا، ولكن في جزء فقط من العالم، وهذا الجزء المتحد والمتبني لحضارة واحدة هو مجموعة البلدان المتقدمة في شمال العالم، ومعها النخب والأقليات المتقمصة للحضارة الغربية والمسيطرة داخل الدول النامية، وهو ما يعني أن نظرية العولمة وسيطرة الحضارة الغربية قد تحققت، ولكن في جزء فقط من العالم.
ويقول روفان إن ظاهرة العولمة تطورت كثيرا بفضل التطور التكنولوجي، ولكن في الوقت ذاته بقيت هناك مناطق بأكملها "خارجة عن نطاق تغطية العولمة"، ومعزولة عن العالم، ولا تتعامل مع السياح ورجال الأعمال والمنظمات الإنسانية، وهي موجودة الآن في إفريقيا جنوب الصحراء وسوريا والعراق، وتخضع لسيطرة تنظيمات مسلحة عديدة ومتشابهة في أفكارها وأساليبها.
وأضاف أن القوى التي تسيطر على هذه المناطق التي لم تشملها العولمة، لا تتوانى عن إظهار رفضها للحضارة الغربية، ووصفها بأسوأ النعوت، ورفض كل ما يتعلق بها من قيم وأفكار، حتى لو كانت أفكارا إيجابية، مثل قيم حقوق الإنسان.
واعتبر أن تنظيم الدولة هو المثال الحي عن هذه القوى التي تريد بأي ثمن الدفع نحو صدام بين الحضارات، من خلال عمليات ذبح الرهائن، والإعدامات الجماعية، وتهجير الأقليات الدينية والعرقية، وتدمير الرموز الثقافية التي يعتبرها الغرب ذات قيمة، على غرار آثار مدينة تدمر.
وقال روفان إنه كان قد حذر بعد سنيتن من سقوط جدار برلين، في كتابه "إمبراطورية البربرية الجديدة"، من ظهور تصدع جديد بين الشمال والجنوب، على أثر الانقسام القديم بين المعسكرين الغربي والشرقي إبان الحرب الباردة، وهو ما أصبح اليوم أمرا واقعا، حسب تقديره.