72 ساعة مرت على فضيحة هزت أركان الاتحاد الدولي لكرة القدم "
فيفا"، تمثلت في اتهام 14 مسؤولا بالاتحاد بالـ"فساد"، الأربعاء الماضي، لتتوجه سهام النقد بشكل مباشر نحو جوزيف
بلاتر، رئيس "فيفا"، باعتباره المسؤول الأول عن ما آل إليه حال المؤسسة الكروية الأكبر عالميا.
إثر ذلك، توالت إعلانات من اتحادات قارية ومحلية عن سحب دعمها لبلاتر، في انتخابات رئاسية "فيفا"، ومنحه لمنافسه
الأمير علي بن الحسين، وكان من أبرزها:
الاتحاد الأوروبي (يويفا) والاتحاد الأمريكي.
هذا الدعم المعلن الذي تلقاه الأمير الأردني، في الساعات الأخيرة، خلق شعورا عاما بأن كرسي "فيفا" يقترب من الأمير الحسين، لكن نتيجة الانتخابات، التي جرى إعلانها، مساء اليوم الجمعة، جاءت على عكس توقعات البعض، حيث فاز بلاتر بولاية خامسة في رئاسة "فيفا" بعد انسحاب الأمير الحسين من خوض جولة الإعادة، إثر خسارته في الجولة الأولى بفارق كبير في الأصوات أمام منافسه.
هذا الأمر دفع محللين للتساؤل: "لماذا خسر الأمير علي بن الحسين رغم الدعم الغربي الواسع؟".
كان بلاتر فاز في الجولة الأولى، الجمعة، من الانتخابات بـ"133" صوتا من أصوات أعضاء "فيفا" البالغة 209 أصوات مقابل "73" صوتا للأمير الحسين، و3 أصوات باطلة؛ ليدخل المرشحان جولة إعادة حيث إن لوائح "فيفا" تنص على أن الفوز بمنصب الرئيس من الجولة الأولي يتطلب الحصول على ثلثي أصوات الأعضاء (140 صوتا).
وإذا لم يحصل أي من المرشحين على ثلثي عدد الأصوات يدخل المرشحان جولة إعادة يكون الفوز فيها بالأغلبية المطلقة (50+1)؛ أي 105 أصوات.
وبينما كانت اللجنة المشرفة على الانتخابات على وشك بدء التصويت في جولة الإعادة، خرج الأمير الحسين ليفاجئ الجميع بانسحابه من السباق، مقدما الشكر لكل من "تحلوا بالشجاعة" وصوتوا له في انتخابات رئاسة "فيفا".
مراقبون كرويون يرون أن تعليق الأمير الحسين لامس كبد الحقيقة، حيث إنه تضمن تلميحا بأن السبب الرئيسي في خسارته يعود إلى الاتفاقات غير المعلنة التي نجح بلاتر ومؤيدوه في عقدها مع اتحاد قارية ومحلية عديدة.
ويرى هؤلاء المراقبون أن قارتي إفريقيا وآسيا، اللتين تمتلكان 48 % من عدد أصوات "فيفا"، أدتا الدور الأبرز في فوز بلاتر، بينما كان الدعم المعلن للأمير الحسين يأتي من اتحاد الأوروبي (يويفا)، الذي يملك نحو 25 % من أصوات "فيفا"، بجانب أصوات متفرقة من عدة دول بـثلاثة اتحادات قارية أخرى.
وتقول مصادر كروية مطلعة إن بلاتر عقد خلال الفترة الأخيرة اتفاقات غير معلنة مع معظم الاتحادات المحلية بقارتي إفريقيا وآسيا ،لدعم إعادة انتخابه لرئاسة "فيفا".
ويمنح بلاتر دعما ماديا لكثير من الاتحادات المحلية في هاتين القارتين، التي يعاني أغلبها من شح الموارد.
وسبق أن وعد بلاتر الاتحاد الإفريقي واتحاد دول "الكونكاكاف" (أمريكا الشمالية والوسطى والكاريبي)، بزيادة أعداد منتخباتهما في النسخ المقبلة لبطولات كأس العالم.
وتمتلك إفريقيا 54 صوتا من أصوات "فيفا"، فيما تمتلك آسيا 46 صوتا، ليكون إجمالي أصواتهما معا 100 صوت.
أما قارة أوروبا، التي أعلنت مساندتها للأمير الحسين بسبب وجود خلافات قوية بين الفرنسي ميشيل بلاتيني وبلاتر، فتمتلك 53 صوتا.
ولا يعني ذلك الجزم بأن كل الاتحادات المحلية في القارة الأوروبية التزمت بقرار الاتحاد القاري، خاصة أن بعضها لم يكن مقتنعا بالأمير الحسين رئيسا لـ"فيفا" خاصة مع صغر سنه (40 عاما) وقلة خبرته الكروية مقارنة بـ بلاتر صاحب الخبرة الكبيرة في المجال الكروي، حيث إنه يقود "فيفا" منذ نحو 17 عاما.
أما اتحاد دول الكونكاكاف؛ فيملك 35 صوتا، بينما يملك اتحاد منطقة أوقيانوس 11 صوتا، ويملك اتحاد دول أمريكا الجنوبية 10 أصوات، بإجمالي 56 صوتا للاتحادات القارية الثلاثة معا.
ومن المعروف في الوسط الرياضي أن معظم هذه الدول مساندة لبلاتر، أيضا، بسبب احتياجها للدعم المادي، لذا فليس مستبعدا أن تكون معظم أصواتها ذهبت للأخير.
ولا يغيب عن الأمر أيضا الاتفاقات التي عقدها بلاتر مع هذه الاتحادات، على ما يبدو، وهو ما يظهر من بيان أصدره اتحاد أمريكا الجنوبية لكرة القدم، عقب فوز بلاتر، حيث جاء فيه أن بلاتر أكد لرئيس اتحاد أمريكا الجنوبية، خوان انخيل نابوت، بأن الحصص الخاصة بكل قارة في كأس العالم لن يتم المساس بها، بخلاف ما أثير سابقا.
كذلك، لا يمكن إهمال الدور الروسي والقطري في إعادة انتخاب بلاتر، خاصة أنهما الدولتين، اللتين فازتا بحق استضافة بطولتي كأس العالم 2018 و2022، تواجه تهديدات بسحب البطولين منهما جراء مزاعم "فساد" طالت عملية منح البطولتين لهما.
وأعلنت روسيا، التي فازت بحق استضافة بطولة كأس العالم 2018، صراحة دعمها لبلاتر بداية من رئيس البلاد فلاديمير بوتين، وانتهاء بمسؤولي الاتحاد المحلي للعبة.
وروسيا دون شك ليست مجرد صوت واحد؛ حيث تملك علاقات قوية بكثير من الدول منها دول أوروبية وأسيوية، كانت ضمن امبراطوريتها السابقة قبل تفككها (الاتحاد السوفيتي).
أما قطر، فرغم أنها لم تعلن صراحة عن أي موقف لها من أي من المرشحين، يؤكد مراقبون أن الصوت القطري ذهب لبلاتر، وربما أيضا أصوات اتحادات أخرى ترتبط دولها بعلاقات قوية مع الدوحة، التي تخشى هي الأخرى من سحب حق استضافة كأس العالم 2022 منها.
بعض المراقبين يرون أن إسرائيل كانت حاضرة بقوة في انتخابات "فيفا" لهذا العام، خاصة أنها كانت تخشى من تمرير مقترح قدمه الاتحاد الفلسطيني بتجميد عضويتها في الاتحاد الدولي، بسبب ما تقول فلسطين إنها قيود تضعها إسرائيل على الرياضة الفلسطينية.
وكانت المفاجأة التي لم يتوقعها كثيرون، حيث أعلن رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، جبريل
الرجوب، اليوم، سحب مقترح بلاده، قبل دقائق من التصويت عليه خلال اجتماع "فيفا".
وقال الرجوب إنه تلقى اتصالات مكثفة في الساعات الأخيرة شملت شخصيات عدة من دول عربية وإفريقية وأوروبية، طالبته بسحب طلب الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم للتصويت على تجميد عضوية نظيره الإسرائيلي في "فيفا".
ولا يُستبعد أن تكون هذه الخطوة صبت في صالح بلاتر، وهو ما يظهر من خطابه قبيل دقائق من بدء عملية التصويت، الذي حث فيه أعضاء "فيفا" على إعادة انتخابه، وركز خلاله على التصالح الذي تم بين رئيس الاتحادين الإسرائيلي والفلسطيني قائلا: "فيفا هو تحقيق التقارب بين الشعوب، والبحث عن السلام، وهو ما تحقق من خلال المصافحة التي تمت بين رئيس الاتحادين الإسرائيلي والفلسطيني خلال اجتماع اليوم".
ولا يُستبعد، أيضا، أن تكون "الدول العربية والإفريقية والأوروبية" التي قال الرجوب إنها طلبت منه سحب مقترح تجميد عضوية إسرائيل في "فيفا"، صوتت لصالح بلاتر في إطار صفقة بين إسرائيل وبلاتر لسحب المقترح مقابل تصويتها ودول أخرى رتبت معها لصالحه.