يواجه
لبنان في هذه المرحلة أصعب الأوضاع السياسية والعسكرية والأمنية منذ اندلاع الأزمة السورية قبل أربع سنوات تقريبا، فلأول مرة تنتشر في المناطق اللبنانية حالة خوف من اندلاع مواجهات عسكرية وشعبية بسبب أزمة مدينة
عرسال وجرودها، واحتمال قيام
حزب الله أو الجيش اللبناني بحملة عسكرية ضد المسلحين الموجودين في جرود عرسال وامتداد المعارك إلى مناطق أخرى.
وفي الوقت نفسه يعاني الوضع السياسي من أزمة خطيرة بسبب الخلافات على تعيين بعض القادة العسكريين والأمنيين وتهديد وزراء تكتل التغيير والإصلاح وبدعم من وزراء حزب الله بالاعتكاف عن العمل الحكومي، مما سيؤدي إلى توقف اجتماعات مجلس الوزراء، ويضاف إلى ذلك عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتوقف مجلس النواب عن العمل التشريعي، وهذا يعني تعطل كل المؤسسات الدستورية والسياسية وهذا سيدخل البلد في أزمة سياسية ودستورية من غير الواضح ما هو الأفق الذي ستصل إليه.
ورغم أن هناك قرارا داخليا مدعوما بقرار عربي- إقليمي – دولي بحماية الاستقرار الأمني في لبنان ومنع العودة إلى
الحرب الأهلية، فإن التطورات المتسارعة في سوريا والعراق واليمن ودول المنطقة وتفاقم الصراع السعودي – الإيراني، كل ذلك بدأ يلقي بثقله على الأوضاع الأمنية والسياسية في لبنان ما سيجعله على "كف عفريت" حسب التعبير الشائع في الأوساط الشعبية في لبنان.
وقد هدد رئيس التكتل التغيير والإصلاح، العماد ميشال عون، في تصريح له مؤخرا بإعطاء إجازة للحكومة اللبنانية حتى شهر أيلول(سبتمبر) المقبل في حال لم يتم إقرار التعيينات العسكرية والأمنية الجديدة، فيما ألن رئيس تيار المستقبل الشيخ سعد الحريري أن الوضع اللبناني سيدخل في إجازة طويلة.
لكن المشكلة قد لا تقتصر على الجانب السياسي وغياب الحكومة ومجلس النواب وعدم وجود رئيس للجمهورية؛ بل قد تتطور الأمور إلى صراع أمني وعسكري على خلفية ما يجري في منطقة البقاع والبدء بتشكيل مجموعات عشائرية وعائلية بقاعية وبدعم من حزب الله وقوى حزبية أخرى للهجوم على منطقة جرود عرسال وإخراج المسلحين السوريين وغير السوريين منها، مما قد يؤدي إلى ردود فعل في مناطق أخرى كما هدد العديد من قادة تيار المستقبل.
وقد رصدت جهات أمنية لبنانية وجود توترات عديدة في بعض المناطق الشمالية والبقاعية والجنوبية والعودة إلى توزيع الأسلحة في بعض المناطق، مما يذكر بالتوترات والصراعات التي حصلت في شهر أيار (مايو) 2008 وما سبقها من توترات أمنية وشعبية ما بين مرحلة أيلول (سبتمبر) 2006 وحتى العام 2008.
وفي مواجهة هذه المخاوف من عودة التوترات الأمنية والعسكرية والشعبية إلى العديد من المناطق اللبنانية بدأت بعض الشخصيات السياسية والدينية اللبنانية إجراء بعض الاتصالات واللقاءات بهدف البحث عن مخارج لأزمة جرود عرسال وتخفيف أجواء التوتر، وقد قام نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي بزيارة لمقر قيادة الجماعة الإسلامية في لبنان وبحث مع الأمين العام للجماعة إبراهيم المصري ومسؤولي الجماعة إطلاق مبادرة لسحب المسلحين من جرود عرسال ودخول الجيش اللبناني إليها، كما بدأ المسؤولون في ملتقى الأديان والثقافات الذي يرأسه العلامة السيد علي فضل الله الاتصالات مع قيادتي حزب الله وتيار المستقبل ومسؤولين آخرين للبحث في تخفيف التوتر، كما شكل انعقاد القمة الإسلامية في لبنان، التي تضم رؤساء الطوائف الإسلامية اللبنانية، محاولة جديدة لتعزيز الوحدة الإسلامية ومنع اندلاع التوترات.
لكن، لا يبدو حتى الآن أن هناك من يستطيع ضبط الأوضاع اللبنانية في المرحلة المقبلة، خصوصا إذا تصاعدت التوترات العسكرية والأمنية في سوريا والعراق واليمن، ولم يتم التوصل إلى حلول سياسية لأزمات المنطقة مما سيضع لبنان في وضع صعب في الأسابيع القليلة المقبلة.