رسومات المبادرة قدمت للاجئين السوريين في المخيم مجانا ـ عربي21
أشجار وزهور تواجهك عندما تدخل مخيم الزعتري للاجئين السوريين في مدينة المفرق (80 كيلو مترا شمال شرقي عمان)، أشجار نمت على جدران "كرفانات" اللاجئين بيد رسامين سوريين جلبوا الربيع للصحراء بريشهم.
أخذ الرسامون على عاتقهم "التخفيف من وطأة وحشة الصحراء" على اللاجئين السوريين في مخيم بني على أرض صحراوية مغبرة تفتقد للخضرة والأشجار، وقام رسامون يطلقون على أنفسهم "فريق فن من الزعتري" بنقل الطبيعة إلى جدران المنازل المعدنية وإعطائها اللون الأخضر في محيط يغلب عليه لون الصحراء.
ويقطن المخيم ما يقارب الـ85 ألف لاجئ أغلبهم جاء من مناطق تمتاز بالغطاء الأخضر، حيث الاعتماد على الزراعة كان يشكل ما نسبته 26% من الناتج القومي في سوريا.
وتشير إحصائيات وزارة الزراعة الأردنية إلى أن نسبة المساحة الخضراء في الأردن أقل من 2% بينما تبلغ نسبة الغابات أقل من 1%.
محمود الحريري رسام سوري وعضو في فريق "فن من الزعتري"، يحاكي في رسوماته على جدران الكرفانات بعض مناطق ومعالم مدن وبلدات سوريا، كبصرى الشام التي لجأ منها عدد كبير إلى مخيم الزعتري. يقول الحريري لـ"عربي21" إن "فكرة رسم الطبيعة على الجدران بدأت عندما تقدم مجموعة رسامين بمبادرة للمفوضية السامية للاجئين لتشجير المخيم الصحراوي بغية الحصول على الظل، وكسر الألوان الحارة في الصحراء، إلا أن المبادرة لم تجد الدعم، ما دفع الفنانين لرسم الأشجار عوضا عن زراعتها".
يقول الحريري إن "أغلب أصحاب الكرفانات طلبوا رسم معالم مدنهم ذات الطبيعة الخضراء من أشجار وزهور، وقام عدد منهم برسم الأشجار داخل وخارج الكرفان، كي يشعروا أنهم ما زالوا يعيشون نفس الطبيعة، حيث وجدت المبادرة صدى كبيرا لدى سكان المخيم، خصوصا أن الرسوم كانت بالمجان".
ولا يقتصر عمل فريق "فن من الزعتري" على تلوين الكرفانات ورسمها، إذ إن الفريق يقيم بين الفينة والأخرى معارض للفن التشكيلي داخل المخيم، مستخدمين أدوات بسيطة لتكوين لوحاتهم، ومن بينها أخشاب الكرفانات وقماش الخيم.
وبحسب إحصائيات إدارة مخيم الزعتري، فإن عدد الكرفانات في المخيم يبلغ ما يقارب الـ20 ألفا، فيما يبلغ عدد الخيام نحو ثلاثة آلاف خيمة، وتقوم جمعيات إغاثية كجمعية الكتاب والسُنة بالعمل على استبدال الخيام بكرفانات من خلال متبرعين عرب وأجانب، كما يقول رئيس الجمعية زايد حماد.
ولا تسمح السلطات الأردنية للاجئين بإدخال مواد أسمنتية،ويسكن جميعهم في كرفانات من المعدن أو خيام، وفي حال وجود أي بناء إسمنتي بطريقة غير مشروعة فإنه يتم العمل على ردمها.
وبالرغم من قساوة الصحراء، فقد استطاع لاجئون فتح مشتل لبيع النباتات والمزروعات في أشهر شارع بالمخيم والذي يعرف بالشانزيليزيه، حيث يبيع المشتل نباتات تصلح أن تزرع في أوعية أمام الكرفانات.
أستاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء التطبيقية والخبير النفسي الدكتور حسين الخزاعي، يؤكد أن "اللون الخضر له تعبير ومدلول خاص في النفس البشرية، إذ إنه يعطي انطباعا بالحيوية وبداية انطلاقة وحياة جديدة، ويشكل بارقة أمل، كما أنه يرتبط أيضا بالمحبة والعطاء والإنتاج خصوصا أنه اقترن بفصل الربيع، لذا فإن هذه الرسومات تترك أثرا إيجابيا على نفوس اللاجئين، خصوصا أنهم أتوا من بيئة غير صحراوية، وتحاكي هذه الرسومات أحلامهم ببيئة خضراء وأشجار، كما أن هذه الرسومات تمثل لهم ذاكرة المكان الذي يعجزون عن الذهاب إليه بسبب ظروف الحرب".
وترى الناشطة البيئية صفاء الجيوسي في حديث لـ"عربي21"، أن "الأشجار والنباتات تمثل للاجئين في مخيم الزعتري أكثر من كونها منظرا جميلا؛ لاعتماد أغلبهم على الزراعة كمصدر عمل وبيئة توفر لهم الغذاء والأكسجين، على عكس البيئة الصحراوية التي لجأوا إليها حيث يعانون من مشاكل بالتنفس بسبب الأجواء المغبرة".
ويحاول ناشطون سوريون خلق بيئة أفضل للاجئين من خلال إقامة عدة نشاطات فنية كالرسم، وجعل البيئة الصحراوية أكثر قبولا من خلال عقد مسرحيات واحتفالات فنية، كما يؤكد إسماعيل ياسين الناشط السوري في العمل الاجتماعي بالمخيم.
يقول ياسين لـ"عربي21": "إن طول مدة إقامة اللاجئين السوريين في الزعتري فرضت على الناشطين إيجاد فعاليات ونشاطات للترفيه عن مجتمع محصور في منطقة صحراوية محددة".
وكان ناشطون أردنيون وسوريون طالبوا الحكومة الأردنية في وقت سابق بإغلاق مخيم الزعتري وإيجاد موقع بديل له، كونه "لا يصلح للحياة البشرية".
ونفذ الناشطون عدة وقفات احتجاجية أمام المفوضية السامية للاجئين، لنقل معاناة اللاجئين بسبب الغبار والحر الشديد في فصل الصيف، مع تكرار انقطاع التيار الكهربائي عن المخيم، الأمر الذي ينذر بصيف حار ينتظر اللاجئين.