عرضت الشروق المصرية كتاب "الحرب العظمى بعصرنا"، الذي يشرح فيه نائب مدير المخابرات المركزية الأمريكية السابق، مايكل موريل، بشأن الأزمات والتحديات التي واجهت وكالات المخابرات ومكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة وحلفائها، خاصة
بريطانيا، في السنوات التي تلت هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001، والتي ولدت لديه القناعة بأن تنظيم
القاعدة يمر بحالات ضعف وقوة مستمرة.
وقدم مايكل موريل ما يشبه رسما بيانيا حول القدرات الإرهابية لتنظيم القاعدة عبر السنين الماضية، على الجانب الأيسر من المخطط كانت هناك فئة "لا تهديد"، وعلى الطرف المقابل فئة "إرهابيون يمتلكون أسلحة دمار شامل"، وبينهما من اليسار إلى اليمين فئة القدرة على شن "هجمات كارثية متزامنة تقتل آلاف الأشخاص" ثم فئة "هجمات فردية مهمة يمكن أن تقتل المئات"، يليها فئة "الذئاب المنفردة" أي الأفراد الذين لا اتصال لديهم بالقاعدة، ولكنهم يستلهمون نهجها وأيدولوجيتها (وتندرج هجمات بوسطن 2013 تحت هذه الفئة).
وأوضح موريل أن زعيم القاعدة السابق أسامة
بن لادن كان مرحبا بالتدخل العسكري الأمريكي في العراق عام 2003، معتبرا أنه يسير على خطى التدخل السوفييتي في أفغانستان.
وتابع موريل أن بن لادن نفسه ظل بعيدا عن العراق، فخلال التحضيرات السابقة لغزو أفغانستان، اختبأ في المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان. ثم انتقل في 2005 إلى مجمع سكني في مدينة أبوت أباد الباكستانية، وهو المكان الذي ظل مختبئا فيه خلال السنوات الست التالية.
وقال الكاتب إن زعيم القاعدة ركز خلال هذه الفترة على مواصلة هجماته على الغرب والتعامل مع التغييرات الكبيرة التي أصابت منظمته بعد 2001، فخلال خمسة أعوام ارتفعت مخاطر القاعدة وانخفضت عدة مرات.
وتابع موريل: "تاريخ تلك الفترة يعلمنا أهم درس في محاربة الإرهاب، ألا وهو أن القاعدة لديها تسعة أرواح. فعندما يضغط عليها الغرب إلى الدرجة التي تجعلها تخشى على أمنها أكثر من علمياتها، تفقد قدراتها. وعندما يضعف الضغط وتكون حرة لتنفيذ عمليات، تزداد قدراتها. وهو ما تكرر مرارا وتكرارا خلال السنوات الماضية".
مصير قادة التنظيم بعد غزو أفغانستان
أوضح موريل أن بعض القادة انتقلوا لأماكن بعيدة على الحدود الباكستانية الأفغانية إلا أن معظمهم انتقلوا إلى منازل أمنة في باكستان، مشيرا إلى أنهم أعادوا تنظيم أنفسهم بسرعة. في الوقت نفسه، قرر عدد من عملاء القاعدة أن يتركوا جنوب آسيا ويعودوا إلى بلادهم.
ويشير موريل إلى أن كلتا المجموعتين مثلثا تهديدا، مضيفا أن المجموعة الثانية بدأت في نشر فكر التنظيم خارج جنوب آسيا، وهو ما ساهمت الحرب على العراق في تقويته.
ثم يمضي نائب رئيس المخابرات الأمريكي السابق، قائلا: "أحد هؤلاء القادة هو خالد شيخ محمد، الذي أهله كونه العقل المدبر لهجمات سبتمبر لمنصب جديد هو قائد العمليات الخارجية للقاعدة"، مضيفا: "ومن منزله الآمن في باكستان، بدأ شيخ محمد التحضير لعلميات جديدة ضد الغرب، وهو ما نجح في بعضها مثل تفجير المعبد اليهودي في جربة التونسية في 2002، والذي أدى لمقتل 19 شخصا".
واستطرد موريل أن العملاء الذين تركوا أفغانستان لم يعملوا فقط من أجل إنجاح مخططات شيخ محمد، بل بدأوا في التخطيط لعمليات كبرى في محيط الدول التي يتواجدون فيها، ومنهم الإندونيسي رضوان عصام الدين، المعروف بالحنبلي، الذي أصبح قائد الجماعة الإسلامية، والذي قاد تفجيرات بالي التي أوقعت 202 قتيل عام 2002، وتفجيرات فندق ماريوت في جاكرتا 2003.
في الوقت نفسه، هاجر السعودي عبدالرحيم النشيري، الذي ساهم في الهجوم على المدمرة الأمريكية "يو إس إس كول"، إلى الإمارات، ومن موقعه خطط لمهاجمة ناقلة النفط الفرنسية (أم في ليموبرج) قبل أن يتم القبض عليه في نوفمبر 2002.
واعتبر موريل أن الفترة التي تلت هجمات سبتمبر مباشرة شهدت التخطيط لأهم عمليات القاعدة على مدى تاريخها. فعلى الرغم من فقدانه أفغانستان فإن الثقة التي تولدت لدى التنظيم من حجم الهجمات جعلتهم يخططون للسيطرة على مدن كاملة في باكستان، إن اقتضى الأمر. كما ساهم في ذلك تدفق التمويلات، التي جاء معظمها من ممولين في الدول العربية. ويؤكد موريل أنه لا شيء يزيد تدفق التمويلات أكثر من هجوم إرهابي ناجح.
السر وراء سقوط قادة بالقاعدة
أوضح موريل أن فاعلية الضغط المكثف على القاعدة في أعقاب أحداث أيلول/ سبتمبر، بالإضافة إلى التعاون الوثيق مع الباكستانيين، قد أثمر سريعا، إذ تم القبض على عملاء القاعدة تباعا. وكان أول من اعتقل في آذار/ مارس 2002 هو زين العابدين أبوزبيدة، الذي ساعد بن لادن على نقل رجاله من السودان إلى أفغانستان عام 1996، والذي كان يدير عددا من المعسكرات التدريبية للقاعدة في أفغانستان، كما ساعد في تهريب أبو مصعب الزرقاوى و50 مقاتلا آخر من باكستان إلى العراق، ليكونوا "العنصر المتطرف الأساسي الذي قتل مئات الجنود الأمريكيين في العراق، وانخرطوا لاحقا في تنظيم داعش الذي سيطر على مساحات واسعة من العراق والشام".
وبحسب الكاتب، فقد تبع اعتقال أبوزبيدة، اعتقال عدد كبير من القادة، أبرزهم رمزي بن الشيبة في كراتشي في أيلول/ سبتمبر 2002، ثم خالد شيخ محمد في مارس 2003. ما دفع القادة الباقين إلى الانتقال من مخابئهم مرة أخرى، فمنهم من توجه إلى إيران ومنهم من توجه إلى منطقة القبائل الجبلية في غرب باكستان على الحدود مع أفغانستان. وبما أن منطقة القبائل كانت جديدة بالنسبة لقادة القاعدة فقد مرت عليهم أوقات صعبة قبل أن يجدوا منازل لهم هناك، بالإضافة إلى ذلك فقد فقدوا الكثير من عملائهم وتمويلهم، ما ساهم إجمالا في تراجع خطر التنظيم في تلك الفترة، وهو الأمر الذي لم يستمر طويلا.
مع مرور الوقت، وبعد أن ثبت قادة القاعدة أقدامهم في منطقة القبائل، وفقا لموريل، بدأت ولادة جديدة للتنظيم، مضيفا: "أن الصعوبات التي واجهتها قوات الناتو في أفغانستان والوقت الذي أخذته الولايات المتحدة لمعرفة ماذا يجب عليها أن تفعل هناك، كانت عوامل ساهمت في خفض الضغط على التنظيم الذي أصبح في منتصف 2005 قويا مرة أخرى للدرجة التي تمكنه من التخطيط لعمليات معقدة ضد الغرب. وبحلول منتصف 2006 أصبح لديه قدرات تساوى تلك التي كان يملكها أثناء هجمات أيلول/ سبتمبر 2001. ويصف موريل هذه الوثبة بـ"المفاجئة والسريعة" بالنسبة لجماعة دائمة التنقل وفقدت معظم قادتها.
ويشرح موريل أن المخاوف المشتركة بين المخابرات الأمريكية والبريطانية من تزايد قوة القاعدة، زادت قبيل تفجيرات مدريد في آذار/ مارس 2004 التي راح ضحيتها 191 شخصا، وأصيب 1800 آخرون، ما اعتبرت أسوأ حادثة إرهابية في تاريخ أسبانيا. إلا أن التحقيقات التي أجرتها مدريد بالتعاون مع الـ(سي أي إيه) خلصت إلى أن قادة القاعدة الموجودين في منطقة القبائل الباكستانية ليس لهم علاقة بهذه التفجيرات بشكل مباشر، وأن مجاهدين من المغرب وسوريا والجزائر هم من قاموا بها.
وأشار الكاتب إلى أن نظرائه اختلفوا حول جدوى الطائرات بدون طيار، التي يعتبرها موريل الأداة الأكثر مساهمة على الإطلاق في حماية الولايات المتحدة خلال السنوات الخمس الأخيرة، موضحا أنه يعتقد أن هذه الطائرات حمت الولايات المتحدة من هجوم آخر بحجم هجمات سبتمبر، إذ إنها قتلت قيادات القاعدة في جنوب آسيا، وأفشلت هجماتهم ضد الولايات المتحدة.
وكدليل على أهمية هذه الطائرات، أوضح موريل أن بن لادن كان يعتبرها السلاح الأكثر تأثيرا على تنظيمه، وكان مهووسا باكتشاف كيفية تشغيلها، وما الخطط المضادة الممكنة لهزيمتها، بحسب وثائق عثر عليها في مقره بعد مقتله عام 2011.
واعتبر موريل أن الحملات الدعائية الرافضة للضربات الجوية باستخدام هذه الطائرات تبالغ في أعداد الضحايا المدنيين، مشيرا إلى أن هذه العمليات تكون محددة الأهداف وخسائرها الجانبية تكاد تصل إلى الصفر. موضحا أن تسيير طائرة بدون طيار يشبه إلى حد كبير عمل قناص على بعد ميل من المعركة.