أثارت تصريحات القيادي
الإخواني السابق
يوسف ندا عن استعداده لقيادة مبادرة للمصالحة في
مصر جدلا كبيرا بين معارضي الانقلاب، خصوصا في ظل عدم وضوح المبادرة، وعدم معرفة من يقف وراءها.
وقال ندا في تصريحات لقناة الجزيرة، إنه طلب منه إصدار هذه التصريحات، وأنه قام بتعديل نصها الأولي لتكون مقبولة من جماعة الإخوان المسلمين، لكنه رفض تحديد الجهات التي طلبت منه إطلاق المبادرة قائلا إنه "لا يمكن الإفصاح عن كل شيء في عالم السياسة".
وتبدو العقدة الأساسية في مبادرة ندا بعدم وجود آليات واضحة لبحث
المصالحة، إضافة إلى غياب الحديث عن دور الجيش والسيسي فيها، حيث اقتصرت تصريحات القيادي الإخواني السابق على توجيه الخطاب إلى "المخلصين في الجيش"، دون تحديدهم، ودون الإشارة إلى الموقف من قائد الانقلاب عبد الفتاح
السيسي.
هل هي مبادرة إقليمية "دون السيسي"؟
وتفتح تصريحات ندا باب التساؤلات عن إمكانية البحث في مصالحة وطنية مصرية تضع حدا لدور السيسي في السياسة المصرية، خصوصا أن هذه التصريحات لا يمكن أن تصدر عن شخصية بمستوى يوسف ندا دون التنسيق مع جهات إقليمية معنية بإنهاء حالة الفوضى والصراع في مصر، حتى لو أدى ذلك للتخلي عن قائد الانقلاب.
كما أن هذه التصريحات تأتي في ظل تراجع كبير في دعم
السعودية للسيسي بعد رحيل الملك عبد الله وانتقال الملك لأخيه سلمان بن عبد العزيز، إضافة إلى ظهور مؤشرات على موقف إماراتي جديد قد يقبل بالتخلي عن السيسي بعد سماح أبو ظبي بمهاجمة الفريق أحمد شفيق لقائد الانقلاب بسقف مرتفع في مقابلة تلفزيونية، سجلت في الإمارات مع عبد الرحيم علي المعروف بارتباطاته الوثيقة بـ"أبو ظبي"، ولكن السلطات المصرية منعت بثها.
وبينما قالت جماعة الإخوان المسلمين على لسان عدة متحدثين، إنها لا تعلم بتفاصيل مبادرة "ندا" وأنها تحتاج إلى توضيحات، رفض ندى الإفصاح عن الجهات التي طلبت منه التحرك، فيما قال خبير استراتيجي مطلع لـ"عربي21" إن السعودية قد تكون هي من طلبت ذلك من القيادي الإخواني السابق.
ومن المعلوم أن ندا أصدر تصريحاته خلال الفترة التي زار فيها رئيس حركة النهضة الشيخ راشد
الغنوشي الرياض، والتقى ولي عهدها بحسب مصادر لـ"عربي21"، وبعد أيام من إعلان الغنوشي استعداده للوساطة بين أطراف الأزمة المصرية؛ "إذا طلبت منه الأطراف المختلفة ذلك"، وهو الأمر الذي قد يعزز التحليلات التي تربط ببين تصريحات ندا ومبادرة الغنوشي وزيارته الأخيرة شبه الرسمية للسعودية.
مبادرة ندا وأزمة الإخوان
وأعلنت مبادرة ندا بعد أسابيع من ظهور الخلافات بين قيادات مكتب الإرشاد "القديم" وبين المكتب الذي انتخب في العام الماضي في وسائل الإعلام، حيث أعلن كل طرف أنه يمثل القيادة الشرعية للجماعة، فيما قالت مصادر متطابقة إن الخلاف لا يقتصر على "شرعية القيادة" بل ينطلق أساسا من موقف الطرفين تجاه المسار الذي يجب أن تتبعه الجماعة لمواجهة الانقلاب، حيث يتبنى المكتب الجديد خطابا أكثر جذرية من المكتب السابق الذي يمثله حاليا محمود عزت ومحمود غزلان ومحمود حسين.
ويطرح توقيت المبادرة تساؤلا حول إمكانية مساهمتها في تعميق الأزمة الداخلية في جماعة الإخوان، بناء على الموقف الذي سيتخذه كل طرف منها، وهو أمر لم يتضح حتى الآن.
وتظهر التصريحات التي حصلت عليها "عربي21" من المتحدث باسم مكتب الإخوان الجديد محمد منتصر والأمين العام للتنظيم الدولي إبراهيم منير، أن الطرفين يتفقان على العناوين العامة تجاه مبادرة "ندا"، حيث أكدا على احترامهما لدور القيادي السابق في الجماعة، ونفيا في الوقت ذاته أن تكون مبادرته ممثلة للإخوان. ورفض منتصر بشكل حازم المصالحة مع "الدولة العميقة والثورة المضادة وكل من مهد للانقلاب وعاون السيسي"، في حين استغرب منير من طرح مباردات المصالحة في ظل الأوضاع الحالية، مشيرا إلى أن "شركاء الثورة اتفقوا على عدم المصالحة مع القتلة"، دون أن يحدد من هم هؤلاء "القتلة".
وقال المتحدث الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين محمد منتصر أن موقف الجماعة واضح تجاه أي مبادرة تخرج من أي طرف؛ مؤكدا ترحيبها بأي مبادرة تدعم الخيار الثوري، وتؤسس لاستعادة الشرعية والقصاص للشهداء ومحاسبة كل من تورط في الانقلاب أو في الدماء، ذاكرا أن معايير قبول أو رفض أي مبادرة قائمة على مدى اتفاقها مع الثورة وأهدافها، وهذا ما ينطبق على مبادرة ندى وغيرها من المبادرات.
وأشار منتصر في تصريحات خاصة لــ "عربي21" إلى أن "مبادرة الاستاذ ندى تعبر فقط عن وجهة نظر صاحبها، بكل ما له من ثقل وتاريخ في حل المنازعات الدولية والأزمات الكبرى، وهو شخص محل اعتبار من الجميع، إلا أن جماعة الإخوان لا تطرح مبادرات لحل الأزمة، بل تنتج رؤية لإنهاء الانقلاب وانتصار الثورة". وأكد منتصر أن لا خيار لدى جماعة الإخوان المسلمين إلا إسقاط الانقلاب والتمكين للثورة الكاملة، وأن أية رؤية تنتجها الجماعة ستطرح بالمشاركة مع القوى الثورية الفاعلة في التحالف الوطني لدعم الشرعية ومن خلال منافذها الرسمية.
وتابع المتحدث باسم جماعة الإخوان في تصريحاته لـ"عربي21": "نريد أن نحرر بعض المفاهيم، الثورة المصرية لا تواجه السيسي فقط كشخص، بل تواجه انقلابا عسكريا له عدة جهات، وقوامه الأساسي الثورة المضادة التي قامت لتهدم ثوة 25 يناير، وثورتنا لا تعرف المصالحة، ولكنها تعرف الانتصار، فستنتصر الثورة على السيسي وأعوانه وكل من مهد لانقلابه العسكري".
وأكد منتصر أن "الثورة المصرية لا تقف عند جماعة الإخوان المسلمين لكونهم في قلب التحالف الوطني لدعم الشرعية الذي يقود العمل الثوري في مصر في الوقت الراهن، وأن هناك العديد من الفصائل والشرائح الاجتماعية تشارك في هذه الثورة"، مضيفا " لقد أصبح لكل عائلة في مصر شهيد أو معتقل أو مختف قسريا، أو شخص غارق بالديون بسبب سياسات الانقلاب الاقتصادية التي أفقرت هذا الشعب". وأشار إلى أن الحديث عن المصالحة حديث غير واقعي، قائلا: "من هي الأطراف التي ستتصالح؟ أيتصالح أسر الشهداء مع من قتلوهم؟ أيتصالح الشعب الفقير الجائع مع من أفقره وسرق قوت يومه وهدم مشاريعه؟.. مصر بها ثورة قوية وصلبة، لن تتراجع قبل أن تحقق أهدافها كافة بإسقاط الانقلاب وتطهير الوطن من الخونة والفاسدين والدولة العميقة".
وحول طبيعة المصالحة التي يمكن أن ترضي الجماعة، أكد منتصر ترحيبه "بأي مبادرة تدعم الثورة وتؤسس لاستعادة الشرعية والقصاص للشهداء ومحاسبة كل من تورط في الانقلاب أو في الدماء"، وأوضح بشكل قاطع، أن "الإخوان ليسوا قوة المعارضة الوحيدة، بل هم والثوار على الأرض من يمثلون الشرعية، بكونهم الداعمين للرئيس الشرعي المنتخب، بعد أن اغتصب الانقلاب حق هذا الشعب في أن يكون له رئيس منتخب وحياة ديمقراطية حقيقية".
من جهته قال القيادي في جماعة الإخوان المسلمين إبراهيم منير: "إن التصريحات التي خرجت على لسان مفوض العلاقات الدولية للإخوان المسليمن يوسف ندا لا تمثل إلا شخصه الكريم بحد وصفه، موضحاً أنه ليس للجماعة أي علاقة بما صدر عنه من قريب أو بعيد".
وأكد في حديثه لـ"عربي21" أنه "لا يمكن أبدا المصالحة أو الجلوس مع قتلة تلطخت أيديهم بدماء الآلاف من المصريين". واستنكر منير الحديث عن المصالحات متسائلا: "كيف يمكن أن تتم وهناك الآلاف من المعتقلين داخل السجون فضلا عن اختطاف شرعية الرئيس محمد مرسي؟".
وأضاف منير أن الإخوان لا يملكون الانفراد بأي رؤية دون الرجوع إلى شركاء الثورة الذين اتفقوا على "عدم التصالح مع القتلة"، مؤكدا أن الجماعة ليست بمفردها في المشهد الثوري. ونوه إلى أن جماعته لا يمكن أن تلتزم بشيء خارج إطار التحالف الوطني لدعم الشرعية.