إيران بلا عقوبات.. هي الصورة التي تثير قلق الدول
الخليجية العربية منذ فترة. وبعد أن أصبح التوصل لاتفاق
نووي بين طهران والقوى العالمية الست احتمالا أقرب إلى الواقع زاد حرص دول الخليج العربية على التأهب لعودة خصمها الإقليمي الرئيسي على الساحة من جديد.
مثار القلق الأكبر هو ما تعتبره هذه الدول توسع إيران الشيعية في المنطقة، الذي ترى أن من ظواهره دعم طهران للرئيس بشار الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان والفصائل الشيعية في العراق وجماعة الحوثي في اليمن.
وباتت تصرفات دول الخليج العربية السنية في الشهور الأخيرة -من ضربات جوية في اليمن إلى دعم مقاتلي المعارضة السورية وحملات على المعارضة وانتهاج دبلوماسية أنشط- نابعة من إحساس بأن إيران على أعتاب عودة.
وتشعر الدول الخليجية بالقلق أيضا من أن يكون سعي الرئيس الأمريكي باراك أوباما الحثيث لإبرام اتفاق نووي مع إيران، مقابل تخفيف العقوبات عنها، يحمل في طياته دلالة على أن أقوى حلفائها قد لا يساعد من الآن فصاعدا في كبح جماح طهران.
وقال مصطفى العاني، وهو محلل أمني تربطه صلات وثيقة بوزارة الداخلية السعودية، إن دول الخليج ترى أن "الاتفاق أمر محسوم. قد يتأخر أسبوعا أو اثنين أو حتى شهرا. لكن كل من في المنطقة يؤهب نفسه لحقيقة أن الاتفاق أمر محتوم."
وكثيرا ما تختلف دول مجلس التعاون الخليجي الست -السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات وسلطنة عمان- بشأن الاستراتيجية الإقليمية، إلا أنها كلها باستثناء عمان تساورها شكوك إزاء إيران.
وبالنسبة للسعودية بالذات تمثل إيران الشيعية الثورية تهديدا كبيرا.
وما أعلنته البحرين الأسبوع الماضي عن كشف مؤامرة، قالت إن الحرس الثوري الإيراني خططها، ليس سوى مثال آخر على ما تعتبره دول الخليج جهودا مستمرة من جانب طهران لتقويض أمنها.
تحالفات بديلة
تستأنف إيران والقوى العالمية الست -وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا والولايات المتحدة- المحادثات الأسبوع الحالي بهدف التوصل لاتفاق نهائي في موعد غايته 30 يونيو/ حزيران تلتزم طهران بمقتضاه بمزيد من الشفافية مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها وذلك بعد أن توصل الجانبان لاتفاق إطار في أبريل/ نيسان.
وتشعر الرياض وجيرانها بالقلق أيضا من تأثير ذلك على العلاقات مع واشنطن كفيلتهم العسكرية الرئيسية بما لها من مجموعة مرافقة لحاملة طائرات في الخليج وقاعدة بحرية في البحرين وقاعدة جوية في قطر.
وقال سامي الفرج المستشار الأمني الكويتي لدول مجلس التعاون الخليجي "سيعلق في الأذهان أن أوباما هو الرئيس الأمريكي الذي أعاد العلاقات مع إيران. ولكن سيعلق في الأذهان أيضا أنه الرئيس الأمريكي الذي خسر حلفاءه التقليديين في المنطقة."
ويزيد حديث الدول الخليجية عن فكرة بناء تحالفات بديلة تحل محل الدور الأمريكي المتضائل في المنطقة، وجسدت ذلك بتشكيل تحالف في اليمن، وجددت التعاون مع تركيا فيما يتعلق بسوريا.
وقال الفرج: "كنا نبحث عن خيارات أخرى، سواء كانت روسيا أو فرنسا أو قوى إقليمية مثل تركيا وباكستان؛ لتمكيننا من استعادة توازن القوى."
وأضاف أن زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي لموسكو الأسبوع الماضي جاءت في هذا الإطار. وسافر الأمير محمد الثلاثاء إلى باريس للقاء الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند.
موقف أكثر تشددا
كثيرا ما تشيد واشنطن علنا باتخاذ السعودية موقفا أقوى على الساحة الإقليمية، واستعدادها لتشكيل تحالفات جديدة، معتبرة ذلك دليلا على أن المملكة تتحمل مزيدا من العبء الذي تتقاسمه الدولتان.
وقد دعمت أساسا تدخل الرياض العسكري في اليمن، إلا أنه لم يجر إخطارها بالأمر إلا قبل الحملة ببضع ساعات، ما يدل على انحسار نفوذها.
كما أن موقف دول الخليج الأكثر تشددا إزاء المعارضة في الداخل، مثل الحكم بسجن زعيم معارض بارز في البحرين أربعة أعوام، قد يسبب حرجا أيضا لأوباما نظرا لعلاقات واشنطن بهذه الدول.
وقال العاني: "العلاقات بين السعودية وأمريكا الآن أشبه بالدفع عند التسليم. لا شيء إذا لم يكن هناك شيء.. إذا أردتموني أن أدعم الاتفاق النووي فعليكم أن تدعموني في اليمن وفي أماكن أخرى."
ومن بين الاتفاقات التي وقعها الأمير محمد الأسبوع الماضي في موسكو اتفاق تعاون نووي يجيء في إطار اتفاقات أبرمتها الرياض مع قوى نووية؛ إذ تعد خططا لبناء 16 مفاعلا بغرض توليد الكهرباء.
وقالت السعودية مرارا إن ما ستحصل عليه إيران في أي اتفاق يجري التوصل إليه سيكون تماما ما ستستخدمه في برنامجها النووي، وألمحت إلى أنه إذا صنعت طهران قنبلة ذرية فلن يمضي وقت طويل قبل أن تحذو حذوها.
لم يكن نهج السعودية وحلفائها الجديد تجاه خصومهم بالمنطقة وإزاء واشنطن في الأشهر الأخيرة مجرد نهج ظاهري، وإن كان أمامه شوط ليبرهن على قدرته على التأثير.
فالضربات في اليمن لم تحرز شيئا يذكر على الأرض، والمعارضة السورية المسلحة عجزت عن الإطاحة بالأسد، رغم دعمها على مدى أربع سنوات.. ما يدل على أنه أيا كان الاتفاق الذي ستوقعه إيران بعد محادثات الأسبوع الجاري، فإن الخليج قد يجد أن أفضل حليف له هو الحليف الحالي.