قال المعلق في صحيفة "الغارديان" شيمس ميلين، إن قرع طبول العداء للإسلام في الغرب صار يصم الآذان. فمع تضاعف صور المذابح التي يرتكبها الجهاديون من
تنظيم الدولة على الإنترنت، وتدفق الشبان المسلمين وبشكل ثابت من أوروبا وأمريكا الشمالية للانضمام إليهم، أصبحت المجتمعات الإسلامية تعيش حالة حصار.
ويشير التقرير إلى ما قاله رئيس الوزراء البريطاني ديفيد
كاميرون الأسبوع الماضي، حيث اتهم المسلمين البريطانيين بأنهم "يتغاضون وبهدوء" عن الأيديولوجية التي تقف وراء وحشية تنظيم الدولة الطائفية، في تطبيع الحقد "للقيم البريطانية"، وإلقاء اللوم على السلطات البريطانية في تشدد من يذهبون للقتال من أجله، أي تنظيم الدولة.
وتبين الصحيفة أن تصريحات كاميرون كانت أكبر مما تتحمله رئيسة حزب المحافظين السابقة سيدة وارسي، التي شجبت "التأكيدات المضللة" لرئيس الوزراء حول تواطؤ المجتمع المسلم. وحذرت قائلة إن تصريحات كاميرون تؤثر على المجتمع المسلم بشكل عام، الذي يقوم بمواجهة هذه الجماعات.
ويلفت الكاتب إلى أنه حتى مسؤول مكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية، المعروف بأفكاره الرجعية، تشارلس فار، قد رفض ما قاله كاميرون. وقال إنه ربما لم يتجاوز عدد البريطانيين الذين يقاتلون مع تنظيم الدولة المئة، وأضاف: "نحن نخاطر بتصنيف المسلمين واعتبارهم متطرفين في الجوهر".
ويعتقد ميلين أن رئيس الوزراء وحلفاءه من المحافظين الجدد يحضرون الأجواء للهجوم القادم، والهدف لن يكون الإرهاب، ولكن "تطرف اللاعنف". فمن الشهر المقبل ستكون رياض الأطفال وعيادات العيون والخدمات الصحية والجامعات وغيرها ملزمة قانونيا بمراقبة الطلاب والمرضى؛ بحثا عن أي علامة من علامات "التطرف" أو "التشدد".
وتوضح الصحيفة أن السلطات الجديدة تمثل مستوى من الرقابة الأمنية المضمنة في الحياة العامة، وهي غير مسبوقة في زمن السلم.
ويعلق الكاتب: "نحن نعلم من برنامج (برفنت)، الذي تنفذه الحكومة، الأثر الصادم لهذا التجسس الجماعي على المدارس والتلاميذ المسلمين ممن كتبت عنهم تقارير فقط لأنهم تحدثوا من أجل حقوق الفلسطينيين، أو دور القوات البريطانية في أفغانستان".
وينوه التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن مشروع قانون "مكافحة الإرهاب"، الذي أعلنت عنه الملكة في خطاب افتتاح البرلمان سينقل عملية القمع المعادي للمسلمين إلى مرحلة متقدمة أخرى. وتشمل الخطة صدور قرارات منع للأفراد السلميين والمنظمات التي تعد نشاطاتها غير مقبولة، وسيتم تقييد حركة الأفراد الداعين إلى اللاعنف، ممن يعدون خطرين، وستنمنح الحكومة سلطات لإغلاق مساجد ومتابعة أمنية للمذيعين والمؤسسات المتهمة ببث مواد متطرفة "إنها رقابة قادمة ولكن باسم مختلف".
وتذكر الصحيفة أن هذا هو رأي وزير الثقافة السابق- التجارة الحالي ساجد جاويد، في رسالة سربت أرسلها إلى رئيس الوزراء هذا العام. ولكن كاميرون مصمم على ما يبدو للمضي قدما لشن هجوم شامل على الحريات الأساسية. ويقول ميلين إن "مما يثير السخرية أن السلطات الجديدة يتم الدفاع عنها باسم (القيم البريطانية)، بما في ذلك (الحريات الفردية) و(الاحترام المتبادل والتسامح)".
ويستدرك الكاتب: "ولكن كما بدا واضحا فيما بعد الهجوم القاتل في باريس على (شارلي إيبدو) هذا العام فإن (كلنا لسنا شارلي) عندما يتعلق الأمر بحرية التعبير. وغالبا ما يتم استخدام السلطات المناهضة للتطرف ضد المسلمين، وليس ضد المعادين للمسلمين والعنصريين، الذين لا يأبهون بالاحترام المتبادل والتسامح".
ويتوقع ميلين فشل تلك السياسة، كما حصل مع قوانين أخرى "لمنع أقلية تنجر نحو الإرهاب في الداخل، أو حملات الجهاد في الخارج".. مشيرا إلى زعم وزراء الحكومة أن عنفا كهذا عادة ما يكون مدفوعا بـ "أيديولوجية" أكثر من كونه دفاعا عن العدل، أو تعبيرا عن مظالم أو نتيجة لسياساتهم. ويجد أنه مع الأخذ بعين الاعتبار رفضهم للحديث مع أي منظمة إسلامية مهمة لا يتفقون معها ويرفضون دعمها، فلربما لم يكن مفاجئا أن يكونوا مستعبدين لأيديولوجية المحافظين الجدد التي يتبعونها.
ويرى الكاتب أن "أي تفسير آخر للتهديد الإرهابي سيؤدي في أي حالة إلى توريط الحكومة وسابقتها. ففي الحقيقة، فإنه ليس من الصعب فهم سبب انجذاب مجموعة صغيرة من الشباب المسلم المهمش للقتال في سوريا والعراق والجماعات الأخرى. فالأيديولوجية موجودة منذ زمن طويل. ولكن لم تحصل هجمات إرهابية في
بريطانيا قبل أن تغزو القوات البريطانية والأمريكية أفغانستان والعراق، وكل من وقف وراء كل هجموم عنف أو مؤامرة إرهابية أشار إلى أن التدخل الغربي في العالم الإسلامي كان دافعا له".
ويضيف ميلين أن "لتنظيم الدولة جاذبية مختلفة عن تنظيم القاعدة. فقد سيطر على مناطق واسعة، مستخدما إرهابا صارخا، ودمر الحدود، وأعلن عن إقامة خلافة. وفي الشرق الأوسط يقدم نفسه منافحا عن السنة في الحرب الطائفية. وبالنسبة لقلة من الشبان المسلمين الغربيين المهمشين، فإنه يقدم وهم القتال ضد الطغيان، ويعطيهم حسا قويا بالهوية".
ويقول الكاتب: "أضف إلى هذا كله عدوانية الإعلام وقسوته، والإسلاموفوبيا المتفشية، والمراقبة والتحرش الذي تقوم به الدولة للمجتمعات المسلمة، ما يعني أن الشعور بالعزلة سينتشر. في العام الماضي راقبنا تحقيق (حصان طروادة) حول مؤامرة لم تحصل في مدارس بيرمنغهام، وطرد عمدة مسلم لتاور هاملت بقرار قاض استند إلى أن العمدة "استخدم تأثيرا دينيا مفرطا" على المسلمين، هذا كله بالإضافة إلى الأدلة على زيادة الهجمات ضد المسلمين. فالإسلاموفوبيا تتفوق الأن على أي عداء ضد دين آخر أو مجموعة عرقية".
وتجد الصحيفة أنه رغم هذا كله فإن الوزراء وحلفاءهم يحاولون في الإعلام التقلبل من دور "السياسة الخارجية" في ميل المسلمين نحو التشدد، رغم وجود الأدلة كلها. وهم يعنون بالسياسة الخارجية الغزوات والاحتلالات المتعددة للدول المسلمة والتعذيب والاختطاف على قاعدة واسعة ودعم الديكتاتوريات في أنحاء العالم العربي والإسلامي كله. مشيرة إلى أن هذا يشمل السعودية، التي تتشارك مع تنظيم الدولة في الكثير من أيديولوجيته، ومصر، التي قام زعيمها العسكري السابق عبد الفتاح السيسي بالإطاحة بالرئيس المتنخب عام 2013، وسيرحب به قريبا في داونينغ ستريت.
ويفيد ميلين بأن "تنظيم الدولة هو نتاج مباشر لاحتلال وتدمير بريطانيا والولايات المتحدة للعراق، وكلا الدولتين تدعمان الجماعات المسلحة التي تقاتل في سوريا، كما فعلتا في ليبيا. ولهذا فليس عجبا أن يختلط الأمر على الجهادي فيمن يقف مع من. فالمتطوعون الغربيون مع تنظيم الدولة يمثلون كارثة على كل من العراق وسوريا، ولكنهم حتى الآن لم ينفذوا هجمات ضد دولهم".
ويخلص الكاتب إلى أنه "يمكن أن يتغير هذا بالطبع؛ ليس لأن الحكومة تقوم بتجريم المعارضين ونموذج التدين المحافظ (التطرف)، وبتعبير الوزراء تقوم بالموافقة على
الإسلاموفوبيا. فلطالما غذت الحكومة البريطانية الإرهاب من خلال حروبها في الخارج، وها هي الآن تذكيها من خلال جعل المسلمين كبش فداء في الداخل- بريطانيا".