ساعد أربعة رجال بعضهم البعض في تسلق الجانب الآخر من خندق إلى أرض فضاء بين خطوط المواجهة في شمال العراق، وهم يخشون ما ينتظرهم إلا أنهم لا يستطيعون العودة.
ووفقا لرواية أحد الرجال ويدعى أبو مهند يتقدم الأربعة، فإنهم كانوا تحت أشعة الشمس يناورون الألغام الأرضية إلى أن وصلوا بعد ذلك بساعات لحدود
تنظيم الدولة.
وكان الأربعة من بين عشرات -يقول عرب في المنطقة إنهم مئات- أغلبهم من العرب السنة الذين جرى إبعادهم من مناطق واقعة تحت سيطرة الأكراد في الشهور الأخيرة، للاشتباه في تعاطفهم مع تنظيم الدولة، في إجراء يقول بعض العرب إنه يخلق حالة من الاستقطاب العرقي الخطير في مناطق استعادوا السيطرة عليها من المسلحين.
وقال أبو مهند عبر الهاتف: "قام الأكراد بنقلنا بالسيارات إلى خط المواجهة ثم طلبوا منا الذهاب إلى تنظيم الدولة.. نزلنا من السيارة وأعطوا لكل منا زجاجة مياه وذهبنا".
وينفي أبو مهند أنه عضو أو متعاطف مع تنظيم الدولة، ويقول إنه طرد من قريته بعد اعتقاله لثلاثة أسابيع دون أي وسيلة لتبرئة نفسه.
وأضاف أن "المسألة لا تتعلق بالتهمة أو البراءة فهم يريدون تحويل المنطقة إلى منطقة كردية لأنفسهم".
وبالرغم من أن حجم عمليات الطرد هذه من المناطق الكردية لم يتضح، فإن "رويترز" تحدثت مع أربعة أشخاص جرى ترحيلهم بشكل منفصل من منطقتي سنجار وزمار، وبعضهم في مجموعات من أكثر من عشرة.
وتحدث أقارب وأصدقاء لآخرين طردوا أيضا، عن أن هذه الممارسة واسعة الانتشار.
وأكد مصدران أمنيان كرديان في المنطقة وقوع حالات طرد، ولكنهما وصفا هذه الممارسة بأنها محدودة.
وقال مصدر في المخابرات الكردية في المنطقة إن الطرد إجراء "وقائي" وقال إن سبب عدم إجراء محاكمات أولا لمن يشتبه في تعاطفهم مع تنظيم الدولة هو أنه لا يوجد قانون قائم يمكن محاكمتهم بمقتضاه.
وأضاف أن 50 شخصا تقريبا طردوا وكلهم كان يمكن أن تصدر عليهم أحكام بالسجن لفترات طويلة إذا كانت هناك طريقة لإدانتهم. وتابع بأن "الطرد أكثر رحمة".
ورفض متحدث باسم مجلس الأمن الكردي في المنطقة التعليق على "مزاعم ليس لها أساس" بأن مشتبها بهم جرى طردهم على الفور، ولكنه أضاف: "أوضحنا أننا لن نتسامح مع أي أنشطة لتنظيم الدولة أو أعوانه أو المتعاطفين معه في مناطقنا".
وقف إبادة جماعية
يستخدم تنظيم الدولة العنف في جميع أنحاء المناطق التي استولى عليها في العراق وسوريا، لكن سيطرته على سنجار وزمار في العراق كانت دموية، حتى وفقا لمعاييره.
وتضم المنطقة سكانا يزيديين، وهم أفراد طائفة دينية قديمة يرى تنظيم الدولة أنهم من الوثنيين الذين تجب إبادتهم.
وقال تنظيم الدولة إنه سيقتل كل اليزيديين البالغين من الرجال الذين لم يقبلوا اعتناق الإسلام، وأنه سيستعبد النساء والفتيات كمحظيات لمقاتليه.
وقتل آلاف الأشخاص واغتصبت آلاف النساء. وقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إن هناك احتمالا لحدوث إبادة جماعية لتبرير شن حملة ضربات جوية ما زالت مستمرة إلى الآن ضد تنظيم الدولة.
وعلى الرغم من أن كثيرا من مقاتلي الدولة أجانب فقد تمكن من اجتذاب بعض المجندين المحليين، ويرجع ذلك جزئيا إلى تصوير نفسه كمنقذ للأقلية من العرب السنة في العراق الذين يعتقد كثيرون منهم أنهم تعرضوا للتهميش، سواء من جانب الحكومة التي يقودها الشيعة في بغداد أم الأكراد الذين يحكمون في الشمال.
وفي نهاية المطاف، فقد طردت قوات الأمن من إقليم كردستان العراق شبه المستقل مقاتلي تنظيم الدولة من المنطقة في كانون الأول/ ديسمبر في هجوم مضاد حظي بإشادة واسعة. ومنذ ذلك الحين يؤكد المسؤولون الأكراد على المصالحة في المقام الأول.
وفي وقت سابق من هذا العام، دعا مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان، شيوخ العشائر العربية السنية من سنجار وزمار لمناقشة المستقبل.
وقال لهم البرزاني إن الذين يرتكبون الجرائم يجب أن يدفعوا الثمن لكن بطريقة قانونية، وإن الذين لم يرتكبوا جرائم يجب ألا يدفعوا ثمن جرائم الآخرين.
وبعدما انتهت كلمة البرزاني، فقد أشاد الشيوخ بالزعيم الكردي وتعهدوا بالتخلي عن أفراد عشيرتهم الذين تعاونوا مع تنظيم الدولة. وقدم أحدهم جوادا هدية للبرزاني.
ويقول مسؤولون أكراد إن معظم
المقاتلين قتلوا أو فروا من المنطقة بعد استعادة السيطرة عليها، لكن يبقى بعض أنصار تنظيم الدولة ويجب التعامل معهم.
وتشكلت لجان تجوب القرى لتدوين احتياجات السكان، وأيضا لوضع قوائم بأسماء الأشخاص المشتبه في تعاونهم مع تنظيم الدولة.
وقال أحمد خلف وهو ممثل عربي بإحدى اللجان: "ليس عددا صغيرا". وجمعت اللجان قائمة بأسماء حوالي 500 مشتبه به من 76 قرية.
واعترف خلف بأنه في بعض الأحيان يمكن اعتقال أشخاص بالخطأ بسبب تلفيق المخبرين للاتهامات لتصفية حسابات شخصية. وقال إنه لم يتم طرد سوى عدد قليل من الأشخاص وبشكل مؤقت.
ويقول بعض العرب إنهم يعتقدون أن تهديد تنظيم الدولة يستخدم كذريعة لطردهم من الأراضي المتنازع عليها والتي يطالب الأكراد بضمها لمنطقتهم المتمتعة بالحكم الذاتي، وذلك بهدف الانفصال عن العراق في يوم من الأيام وهو موضوع حساس للغاية.
وقال شخص عربي طلب عدم نشر اسمه خوفا من الانتقام، إن بعض الناس الذين كانوا سعداء برؤية طرد المقاتلين سيرحبون بهم إن عادوا الآن.
وقال أحد أولئك الذين طردوا من منطقة زمار مع مجموعة من حوالي 20 شخصا، وهو تاجر سلع استهلاكية يبلغ من العمر 41 عاما: "حالما تنتصر الدولة بإذن الله فسوف نعود لديارنا".