ما يزال ملف "
رهبان تيبحيرين"، الذين إغتالتهم مجموعة مسلحة بأعلى محافظة المدية، بالجزائر، عام 1996، يطارد الحكومة
الجزائرية، إثر ضغط يمارسه أهالي الضحايا الفرنسييين، من أجل إظهار حقيقة اغتيالهم، وسط تشكيك فرنسي من أن الذي اغتال هؤلاء جهات خارج الجماعات المسلحة التي كان تنشط بقوة وقتئذ.
أفضى تقرير خبرة، أعده فريق من محققين فرنسيين، زاروا الجزائر شهر كانون الثاني/ يناير، الماضي، أن "نتائج الخبرة تشير إلى أن الشهادات التي قدمت بخصوص اغتيال الرهبان الفرنسيين، من ديرهم ببلدة تيبحيرين بمحافظة المدية، بالجزائر تتعارض مع ما أفضت إليه الخبرة القضائية".
وقالت وكالة الأنباء الفرنسية، التي نقلت بعضا من نتائج الخبرة، الخميس الماضي إن "التحقيق القضائي والخبرة التي أجريت على جماجم الرهبان السبعة، تشيران إلى إختلاف بتاريخ قتلهم بين الشهادات المقدمة وبين التحاليل على الجماجم"، وذلك في سياق إحياء موقف المحققين الفرنسيين من أنه يحتمل أن لا تكون الجماعات المسلحة التي كانت تتبع أنذلك تنظيم "الجماعة الإسلامية المسلحة" هي من قتل الرهبان الفرنسيين، ومعنى هذا أن الفرنسيين يتهمون الجيش الجزائري بقتلهم ولو عن طريق الخطأ.
وقطعت رؤوس الرهبان، وفصلت عن أجسادهم، ولم تعثر قوات الشرطة الجزائرية آنذاك سوى على الرؤوس، التي دفنت بينما الأجساد لم يعرف لها مصير إلى الآن، وحل القاضي الفرنسي المكلف بالملف، مارك تريفيديش، بالجزائر، شهر كانون الأول/ دجنبر، من العام الماضي، وأخذ عينات من الجماجم لفحصها بباريس.
وجاءت نتائج الفحوص بما لا تشتهي الجزائر، التي دافعت عن روايتها القاضية بأن الجماعات المسلحة هي من قتل الرهبان وليس الجيش.
ويرى رئيس اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، التابعة لرئاسة الجمهورية بالجزائر فاروق قسنطيني، أن "الفرنسيين ليس لهم غرض آخر سوى محاولة توريط الجيش وقوات الأمن"، ويضيف في تصريح لصحيفة "
عربي21"، الجمعة أن "الفرنسيين، لا يريدون أن يقتنعوا أن الجيش لم تكن له أي مصلحة في قتل هؤلاء الرهبان، بل دعاهم إلى مغادرة المكان الذي كانوا يقيمون فيه ولم يستجيبوا".
ورفضت السلطات في الماضي بشدة أن تنقل مختصين فرنسيين إلى المدية (ولاية من ولايات الجزائر) لإجراء خبرة على ما تبقى من رفات الرهبان. وتعاملت مع الأمر على أنه تشكيك في هوية قاتليهم. ولكن بعد أن تناول
هولاند هذه القضية مع الرئيس
بوتفليقة خلال زيارته نهاية العام 2012، زال تشدَد الجزائر في هذا الملف، وفتح الباب للقاضي مارك ترفديتش ومساعدته لنقل عينات من جماجم الرهبان، للتأكد من تاريخ اغتيالهم.
وكثيرا ما وظفت باريس ملف رهبان تيبحيرين، رغم مرور 19 عاما عن اغتيالهم، ضد الجزائر، ورغم أن
فرنسا تحضى بموقع هام بالسوق الجزائرية اقتصاديا إلا أنها لم تتنازل عن ملفات النزاع السياسية ومنها ملف رهبان تيبحيرين.
وقال الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في لقاءه مع نظيره الفرنسي فرانسوا هولاند، إن: "الجزائريين يترفعون عن الجدل العقيم فيما يثار هنا وهناك من مهاترات واتهامات، أقل ما يقال عنها أنها لا تمهَد لعلاقات طيبة". وكان تصريح بوتفليقة ردا على الملحق العسكري السابق بسفارة فرنسا بالجزائر، الذي قال نقلا عن شخص أن الجيش الجزائري قد يكون قتل الرهبان خطأ !.
ويعتقد الحقوقي والمحامي المتابع للملف، بوجمعة غشير، في تصريح لصحيفة "
عربي21"، الجمعة " إن نتائج الخبرة لم تشر تماما إلى أن الرهبان قد قتلوا بفعل قصف طائرات، ولو حدث ذلك بالفعل لكانت الآثار ستظهر في العينات، وهذا ما ينفي فرضية قتلهم بالخطأ من الجيش الجزائري".
وتابع غشير قائلا "ما ظهر من معطيات لا ينفي أيضا مسؤولية الجماعة الإسلامية المسلحة، ذلك أن الجماعة الإرهابية يمكن أن تكون قد عمدت إلى قتل الرهبان ثم قطعت رؤوسهم، فهذه الممارسات لم تكن غريبة عن الجماعات الإرهابية في ذلك الوقت. والاحتمال الأقرب بالنسبة إلي أنه جرى الاحتفاظ بالرؤوس فقط حتى يسهل على الجماعة الإرهابية عملية نقلها إلى المكان الذي ألقيت فيه على الطريق".