"سلميتنا أقوى من الرصاص"، مقولة طارت في الآفاق وسارت بها الركبان، قالها المرشد العام لجماعة
الإخوان المسلمين، محمد بديع، في خطابه الشهير يوم 5 تموز/ يوليو 2013 الذي ألقاه من على منصة
رابعة العدوية.
تتوافق تلك المقولة مع رؤية الجماعة الكلية، وسياساتها العامة، في نهجها الإصلاحي الذي حافظت عليه الجماعة منذ نشأتها، وعبر محطاتها المتتابعة التي أرست خلالها منهجها المعروف في العمل الدعوي السلمي، بعيدا عن الأفكار التكفيرية والممارسات العنفية.
بحسب أدبيات الجماعة، فإن القتال لا يكون إلا للأعداء الخارجيين الذي يغتصبون بلاد المسلمين ويحتلونها، أما خصومها من أنظمة الطغيان والاستبداد في الداخل، فمنهجيتها المعلنة والمقررة تتمثل في الصبر على أذاهم وبطشهم وطغيانهم، مع عدم تجويز حمل السلاح في مواجهتهم.
لكن أمام هذه الهجمة الأمنية الشرسة الموغلة في البطش والقمع والقتل، التي تمارسها سلطات الانقلاب في
مصر، والرامية إلى هدم كيان الجماعة وإخراجها من الحياة العامة بالكلية، إلى متى ستصمد تلك الرؤية "سلميتنا أقوى من الرصاص" في مواجهة الدولة البوليسية الباطشة؟
وهل ستقوى القيادة الحالية للجماعة على ضبط أعضائها وكوادرها وعدم تحولهم للعمل المسلح لمواجهة طغيان الانقلابيين وظلمهم وبطشهم؟ ألا تخشى الجماعة من مزاحمة جماعات العنف والتشدد لها، إن هي أصرت على "السلمية"، بانحياز كثير من أعضائها وشبابها المتحمسين لتلك الجماعات؟
أصول الجماعة وأدبياتها تنبذ العنف الداخلي
كيف يمكن تفسير تشبث الجماعة بالسلمية بعد كل تلك الممارسات القمعية والدموية التي مارستها سلطات الانقلاب ضدها؟
أرجع قيادي إخواني مصري – فضل عدم الكشف عن اسمه – تشبث الجماعة بالسلمية إلى أنها ربت أبناءها وأتباعها على أن القتال لا يكون إلا للعدو الخارجي المحتل، ولم تفكر يوما في تربيتهم على رفع السلاح في وجه خصومها الداخليين.
وكشف لـ"
عربي21" عن أن ما يديم تمسك الفريق الحالي الذي يدير شؤون الجماعة بعد اعتقال القيادات الأولى هو محافظتهم على رؤية الجماعة الإصلاحية، ومواجهة ما يقع عليها من مصائب ومحن وابتلاء بالصبر والاحتساب، مع كف الأيدي عن حمل السلاح ونبذ العمل العنفي.
لكن ذلك القيادي أوضح أن ثمة تململا واسعا في أوساط شباب الجماعة، بات يرفع صوته بالمطالبة بتغيير نهج السلمية، لأن المرحلة تتطلب لونا آخر في المواجهة، فما تمارسه سلطة الانقلاب فاق في وحشيته وقساوته كل الأعراف والتوقعات، والذي لا يمكن معه الاستمرار في نهج السلمية.
وتوقع القيادي الإخواني أنه في حالة استمرار النظام في ممارساته الوحشية، فإن ذلك سيفرض أوضاعا جديدة داخل الجماعة، من أبرز ملامحها تقدم التيار الثوري في الجماعة لقيادتها وفرض رؤيته وسياساته النابذة للسلمية، والداعية لتغيير أدوات وآليات مواجهة بطش الدولة الأمنية بما يدفع صولتها وظلمها وبطشها.
السلمية خيار موجع والعسكرة أشد وجعا
في السياق ذاته، رأى الناشط الحقوقي المصري، خالد أبو زيد أن "الإخوان لن يلجأوا إلى العنف يوما، لعدة أسباب، منها طبيعة المجتمع المصري خاصة المسلم منه، فهو مجتمع غير طائفي، فمن السهل أن تجد شابا إخوانيا وآخر ليبراليا في منزل واحد..".
يتابع أبو زيد قائلا: "كما إن الإخوان ليس لهم منطقة تمركز حتى يتمكنوا من شن هجمات منظمة وظهورهم محمية بكتلة سكانية متحدة الفكر والهوية، يضاف إلى ذلك أن أدبيات الجماعة والتي ترفض العنف ضد المسلم تجعلهم بعيدين عن العنف كل البعد، وهذا لا يعني أنهم لا يحاولون رد اعتداء الشرطة بأساليب دفاع بسيطة جدا كإلقاء الطوب أو ألعاب نارية وما شابه".
وفي رده على سؤال "
عربي21" حول أضرار ومخاطر انتقال الجماعة من السلمية إلى عسكرة الثورة، أكدّ أبو زيد أن تخلي الجماعة عن السلمية – أو بالأحرى إعلان هذا – لن يجر عليها إلا الويل، لأنها حينذاك ستواجه السلطة بكل عنفوانها وقوتها، وفي الوقت نفسه ستجد نفسها في مواجهة قطاعات واسعة من الشعب المصري بهمجية البعض منهم.
واستذكر أبو زيد في هذا السياق أن الأهالي قاموا في بعض المناطق بحرق بيوت الإخوان لأن أنبوبة غاز انفجرت في أحد بيوت الإخوان، وقيل إنها قنابل يصنعها ذلك الإخواني، فما كان من الأهالي إلا أن أحرقوا منازل الإخوان في تلك المنطقة، دونما رادع من قانون أو مانع من السلطات، متوقعا أن يكون سلوك الأهالي مشابها في حالة إعلان الإخوان التخلي عن سلميتهم.
الناشط الحقوقي أبو زيد ليس إخوانيا، لكنه يصف جماعة الإخوان بأنها "رمانة الميزان" في المجتمع المصري، لأنها تحافظ على توازنه، فهي بجلدها وصبرها على تحمل البلاء تجنب البلاد والعباد ويلات الحرب الأهلية، وهي بين مطرقة السلمية التي تدمي قلوبهم، وسندان العنف الذي سيؤدي لهلاكهم، الإخوان اختاروا ادماء قلوبهم على هلاكهم وهلاك غيرهم.
من جانبه، رأى الكاتب والأديب المصري، عضو اتحاد كتاب مصر، محمد حمزة العزوني عدم وجود "أية ضرورة لعسكرة الثورة المصرية، لأن هذا إذا حدث – لا سمح الله – فسوف يعرض البلاد لمخاطر الحرب الأهلية التي لا تبقي ولا تذر".
وأضاف العزوني أن "عسكرة الثورة سوف تحقق أحلام القوى الاستعمارية – خاصة أمريكا وإسرائيل – القائمة وراء الانقلاب، فقد كان غرضها الأساسي هو إحداث هذا التصادم العنيف بين أهم قوتين في مصر.. قوة الدولة متمثلة في الجيش، وقوة المجتمع متمثلة في أهم فصيل سياسي وهو جماعة الإخوان".
وأشار العزوني في حديثه لـ"
عربي21" إلى أن هذا ما تخطط له إسرائيل بكل قوتها، فهي تريد ضرب القوتين ببعضهما في وقت واحد، حتى تخرج مصر من المعادلة، ويخلو الجو لإسرائيل لبناء الشرق الأوسط الجديد.
وجوابا عن سؤال حول جدوى السلمية في مواجهة بطش الدولة الأمنية بكل جبروتها ووحشيتها، رأى العزوني أن على القوى الثورية، وفي القلب منها جماعة الإخوان، إن أرادت كسب هذ المعركة، وكسب الشعب إلى جانبها، فإن عليها التمسك بالسلمية، على أن يجددوا في وسائلهم، مع الاجتهاد في
المحافظة على أرواح شبابهم بكل الطرق الممكنة.
"عسكرة الثورة" خيار عبثي لا أفق له
برؤية تحليلية رأى الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة أن عسكرة الثورة ومسار السلاح عبثي في مصر، ولا أفق له، موجها كلامه إلى الحالة الإخوانية، لأن المجموعات الأخرى قد بدأت فعلها، ولديها القدرة على الفعل، ولن تستمع لمثل هذا الكلام.
يشرح الزعاترة رؤيته بأن "ثمة انقساما في المجتمع المصري، قبل الثورة وبعدها، وفي الموقف من الانقلاب كذلك أيضا، وهناك من انطلت عليهم قصة (ثورة 30 يونيو)، وهناك من لهم موقف منحاز أيضا، ما يعني بكل بساطة أن العنف لا يملك حاضنة شعبية كافية لإيقاع هزيمة بالنظام".
وأضاف الزعاترة في حديثه لـ"
عربي21"، أن "ميزان القوى مختل بشكل كبير لصالح النظام، ففي الداخل معه الجيش والأمن والقضاء والإعلام، وقطاع معتبر من الشارع لأسباب عديدة، وفي الخارج يجتمع العالم على دعمه بكل تناقضاته (أمريكا، والغرب، وروسيا، والصين، وحتى إيران) على تفاوت في الدعم.
ويخلص الزعاترة إلى القول إن "النتيجة أن فرصة العنف المسلح في تحقيق حسم مع الانقلاب تبدو معدومة في ظل هذه المعادلة"، مؤكدا أنه "لا يمكن للعنف المسلح أن ينجح من دون حاضنة شعبية كافية، ودعم خارجي، مقابل وضع ضعيف للطرف الآخر داخليا وخارجيا، وكل ذلك غير متوفر في الحالة المصرية".
وأوضح الزعاترة أنه مع تفهمه "لحرقة الشباب على ما يجري، وما أصابهم من مصائب ووقع عليهم من ظلم وتعذيب وانتهاك لكل المحرمات، فإنه من منطلق الحرص على الإخوان، وعلى مصر وأهلها ومستقبلها، يرى أن العنف عبثي بامتياز ولا طائل منه، ولا أفق له، ونتيجته معروفة..".
وفي جوابه عن البدائل والخيارات الممكنة للإخوان والقوى الثورية لمواجهة الانقلاب، رأى الزعاترة، أن "الحل الأفضل يتمثل في تجميع الناس من جديد حول فكرة النضال السلمي لمواجهة دولة بوليسية فاسدة تستهدف الجميع، وهي مرحلة قد تطول، لكنها أكثر جدوى من الخيار الآخر الذي سيدفع الناس إلى الالتفاف حول الطغمة الحاكمة والتنازل عن الحرية من أجل الأمن والاستقرار، وسيتيح للنظام التهرب من تبرير فشله على كل صعيد برفع شعار (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ضد الإرهاب)".
وانتهى الزعاترة إلى القول، إن البديل الجيد لا يتوفر دائما، "إذ إنه كثيرا ما تكون السياسة اختيارا بين سيئ وأسوأ"، لا سيما حين يكون الواقع الراهن نتاج أخطاء، ومن يخطئ سيتحمل نتيجة خطئه، والإخوان برأيه "لم يديروا معركتهم بعد الثورة على نحو صائب"، رغم نواياهم الحسنة.