في خضم المفاوضات التي تجريها الأحزاب التركية، لتشكيل الحكومة الائتلافية، لا يدخل حزب
الشعوب الديمقراطي في معادلة تلك المفاوضات، هذه العزلة لحزب الشعوب الديمقراطي، نتجت عن ادعاء حزب الحركة القومية، بأنه غير شرعي، والحقيقة حتى ولو ادعى حزب الحركة القومية ذلك، فهو عكس ما يقول.
إن أردنا أن نعلم الخيارات الموجودة لدينا في تشكيل الحكومة الائتلافية، سنرى حكومة ائتلافية بين العدالة والتنمية والحركة القومية، وحكومة العدالة والتنمية والشعب الجمهوري، وحكومة العدالة والتنمية والشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي، أي أننا نمتلك أكثر من خيارين.
وكان الرئيس المشترك لحزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين دميرطاش، أعلن مسبقا أنه لن يشارك في حكومة تجمعه مع العدالة والتنمية، وذلك في الحملات الانتخابية له، لكن بعد صدور نتيجة الانتخابات، وتيقن دميرطاش أنه لن يتم الإنتقال إلى النظام الرئاسي في الوقت الحالي، ساد دميرطاش، نوع من السكون والصمت في نفس الوقت.
وهنا نرى حزب العدالة والتنمية، اللاعب الأساسي في الحكومة الائتلافية الجديدة، حيث أنه لم يتحدث إلى اليوم عن حكومة ائتلافية مع الشعوب الديمقراطي، والسبب هو الموقف الموجود لدى العدالة والتنمية اتجاه الشعوب الديمقراطي.
المواقف الموجودة لدى العدالة والتنمية من الشعوب الديمقراطي تتلخص في ثلاثة:
الأولى، عدم الثقة التي نتجت خلال مرحلة السلام، (وهي مرحلة تقودها الحكومة التركية للتصالح مع المكون الكردي وإحلال السلام)، حيث أن الحزبين تلاقيا كثيرا في هذه المرحلة، وتباين الفكر والآراء لديهما، شكل نوعا من المشاحنات بين الحزبين.
الثانية، رغم التصريحات والمواقف الصادرة عن حزب الشعوب الديمقراطي، مازالت الحركة الكردية، في
تركيا متغيرة وغير مستقلة، وهذه الحركة التي تشكلها، أوروبا، وعبدالله أوجلان، وحزب الشعوب الديمقراطي، ومؤسسات أهلية كثيرة.
ولاشك أن حزب الشعوب الديمقراطي لا يملك زمام المبادرة في هذه السلسلة التراتبية للحركة الكردية. بشكل آخر، يواجه الشعوب الديمقراطي، عائق الحرية أمام الحركة الكردية، لاسيما في قضية الإنصهار في المجتمع التركي، وهذا العائق لن يزول إلا مع مرور الوقت والتجربة الطويلة.
وفي الوقت الحالي، فإن الحكومة التي ستضم الشعوب الديمقراطي، بالنسبة للعدالة والتنمية هي حكومة مشتركة بين العدالة والتنمية وأوجلان، وهذا ما لا تقبله العدالة والتنمية.
الثالثة، وكما هو في باقي دول العالم، التي عانت في مرحلة من المراحل، اضطرابات في حل الأزمات، فإن العدالة والتنمية تأثر جراء مرحلة السلام، والخطوات غير الصائبة منه أثرت عليه بشكل سلبي وهذا ما رأيناه عندما صدرت نتيجة الانتخابات.
ومن مفهوم آخر، إشراك الشعوب الديمقراطي في الحكومة الائتلافية، لن يكون مقبولا من قبل المحافظين والقوميين.
من ناحية أخرى، لا أعتقد أن حزب الشعب الجمهوري، يمتلك نظرة مغايرة للعدالة والتنمية، تجاه الشعوب الديمقراطي، ولم يلجأ الشعب الجمهوري في التفكير حتى في كسب دعم الشعوب الديمقراطي ضد العدالة والتنمية.
قبيل الانتخبات التشريعية في تركيا، أظهر الشعوب الديمقراطي أنه، مرشح ليكون من أعلام المعارضة التركية، وحلقة مهمة في بناء تركيا، لكن بعد نتيجة الانتخابات لم يظهر ما كان متوقعا منه، ولاسيما أن جل الأصوات التي حاز عليها جاءت فقط من المناطق الكردية، أي أنه جلب أصوات من أتراك، بنسبة 1.5-2 بالمائة فقط، بالعبارة الصريحة لم يستطع أن يكون حزبا لكل تركيا، بل انحصر في المكون الكردي لا أكثر.
ومن خلال العوامل التي مرت علينا، نستنتج ما يلي:
إدخال وإخراج حزب الشعوب الديمقراطي من وإلى المنظومة التركية، جعله يعيش تناقضا مع ذاته. وإبعاده عن مقاليد الأمور في الدولة، لأنه عنصر وحزب كردي، جعل الطبقة الكردية تنتخبه، ليتخطى حاجز الـ10 بالمائة ويدخل البرلمان بنسبة لا تستهان بها.