رحبت صحيفة "الغارديان" في افتتاحيتها بالاتفاق الذي وقعته
إيران مع القوى الكبرى، أو مجموعة "5+1" في فيينا يوم الثلاثاء، وقالت إنه "انتصار للدبلوماسية الصبورة"، فالمواجهة بين الولايات المتحدة المدعومة من حلفائها الغربيين وإيران، ومنذ 13 عاما، هددت بالتصعيد والتطور إلى حرب.
وذكّرت الافتتاحية بخطاب الرئيس جورج دبليو بوش عن حالة الاتحاد في عام 2002، عندما وضع إيران في محور الشر، إلى جانب العراق وكوريا الشمالية، وزاد من مخاوف التصعيد بزيادة نشر القوات البحرية الأمريكية في الخليج. وظلت
إسرائيل، التي تملك ترسانة من الأسلحة
النووية ترفض الكشف عنها، تحذر وتعلن عن التحضير لضرب المنشآت النووية الإيرانية.
وتشير الصحيفة إلى أن العلاقات المتوترة بين البلدين لم تبدأ بالثورة الإيرانية عام 1979، ولكن بمداهمة السفارة الإيرانية واحتجاز الرهائن الأمريكيين، وهو ما أثار مخاوف الولايات المتحدة في العقد الذي يليه. وزادت مخاوف المواجهة بين البلدين عام 1988، عندما أسقطت البارجة البحرية "يو أس أس فينسينز" طائرة ركاب إيرانية على متنها 290 راكبا إيرانيا.
وتبين الافتتاحية أن التوتر زاد مرة أخرى عام 2002، عندما كُشف عن إخفاء الإيرانيين عن مشروعهم النووي، حيث تم اكتشاف مفاعلين نوويين لم يكونا معروفين، وهما "أراك" و"ناتنز"، وهو ما أثار المخاوف من إصرار طهران على مواصلة برامجها النووية، حتى تؤمن السلاح الكيماوي.
وترى الصحيفة أن التاريخ القريب يعلم حجم ما حدث في فينا، فبدلا من النزوع نحو الحرب، فإن الاتفاق يعد انتصارا للدبلوماسيين والبراغماتيين، الذين عملوا ساعة بعد ساعة من أجل تأمين تنازلات سلمية، وهو ما يمثل نجاحا يدخل السرور إلى القلب، في محاولة العالم لوقف انتشار السلاح النووي.
وتفيد الافتتاحية، التي ترجمتها "
عربي21"، بأن الثناء يستحقه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، وكذلك شركاء أمريكا: فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وبينهم مفوضة الاتحاد الأوروبي السابقة كاثرين أشتون، وروسيا رغم الأزمة الأوكرانية، وبدرجة أقل الصين. وكذلك الرئيس الإيراني حسن روحاني، الذي كان عليه مواجهة المتشددين الشاكين .
وتجد الصحيفة أن الصفقة تعطي إيران فرصة للخروج من حالة العزلة، وتعيد تشكيل علاقاتها مع الغرب. وهو أمر مفرح للغرب وللشعب الإيراني، سواء من خلال الاستثمار أو السياحة أو التفاوض لحل مشكلات المنطقة.
وتقول الافتتاحية إن الرئيس روحاني سيتعزز موقفه في معركته مع المتشددين، الذين لا يزالون يديرون ما تبقى من نظام قمعي. وعليه فإنه سيكون قادرا على الدفاع باتجاه الإصلاح الداخلي، وينهي الإقامة الجبرية على قادة المعارضة، ويلغي المحاكمة المهزلة لصحافي "واشنطن بوست" جيسون ريزيان.
وتعتقد الصحيفة أن هناك إمكانية لأداء إيران دورا مختلفا وإيجابيا في شؤون
الشرق الأوسط، وكذلك مع جيرانها في الشرق مثل أفغانستان. فقد كان تأثير إيران شريرا، سواء في دعمها النظام السوري لبشار الأسد، إلى أثرها المدمر على استقرار لبنان، عبر دعمها العسكري لحزب الله. إلا أن صعود تنظيم الدولة عقّد الصورة، حيث انتقدت الولايات المتحدة تدخل إيران في الشأن العراقي، عبر دعمها للشيعة. ولكن البلدين يعملان الآن بشكل مترادف ضد تنظيم الدولة.
وتذكر الافتتاحية أن إيران، التي تتفاخر بدورها الإيجابي، عليها أن تثبت هذا من خلال تبني موقف لين من إسرائيل، وتقوم باستخدام تأثيرها لتحقيق سلام مع الفلسطينيين.
وتذهب الصحيفة إلى أن هناك إشارات مشجعة، عندما أشار الرئيس روحاني في كلمته، التي رحب فيها بالاتفاق، إلى إسرائيل بالاسم بدلا من "الكيان الصهيوني". وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي تحدث قبل الإعلان عن الاتفاق، قد حذر من خطأ تاريخي على مستوى كبير، حيث ناقش أنه سيترك إيران بخيار تطوير برنامجها النووي.
وتشير الافتتاحية إلى أن تفاصيل اتفاق فينا تجعل من الصعوبة بمكان على طهران الاستمرار بمشروعها. لافتة إلى التنازلات التي قدمتها إيران من التوقف عن تخصيب اليورانيوم، والامتناع عن استخدام مفاعل فودرو لأغراض التخصيب. وستكون النشاطات النووية تحت عين ونظر الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وتطالب الصحيفة الولايات المتحدة بانتهاز الفرصة والتحرك سريعا ، وتخفيف العقوبات بشكل معقول، ما يعطي الشعب الإيراني، الذي عانى، فرصة للاستمتاع بفوائد الاتفاق.
وتستدرك الافتتاحية بأن هناك مخاطر مصدرها الكونغرس بغالبيته الجمهورية، الذي لا يريد مسامحة إيران، ولا يزال متعاطفا مع نتنياهو، وقد يقوم بتعطيل الصفقة. وقال الرئيس أوباما إنه قد يستخدم الفيتو، إلا أن الكونغرس قد يقوم بإلغائه من خلال الحصول على ثلثي الأصوات. وقد يكون هذا موقفا يعبر عن ضيق نظر؛ لأن الرئيس أوباما يريد أن يكون لديه نجاح في السياسة الخارجية ليضيفه إلى إرثه المحلي، وقد يكون هذا الاتفاق هو الجائزة.
وتختم "الغارديان" افتتاحيتها بالإشارة إلى أن تداعيات فينا تذهب أبعد من حكم التاريخ على الرئيس، ولكن هذا الاتفاق يمنح أملا من أن واحدة من حضارات العالم العظيمة ستعود إلى المجتمع الدولي، بمنافع لا تحصى لا للمجتمع الدولي فقط، ولكن لجيرانها الذين يعانون من مشكلات ونزاعات، ولهذا يجب انتهاز الفرصة.