نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية، تقريرا تعرضت فيه إلى ردود أفعال عدد من دول
الخليج حول
الاتفاق النووي الإيراني، مثل
الإمارات والكويت والعربية
السعودية "التي لم تخفِ امتعاضها وقلقها من نتائج هذا الاتفاق".
وأفادت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه بخلاف "إسرائيل" التي انتقدت الاتفاق وهاجمته علنا؛ فإن بلدان الشرق الأوسط اكتفت بإرسال تهنئة جافة تفضح مشاعر القلق والتوجس التي تعتريها، حيث قامت كل من الإمارات العربية والكويت بإرسال تلغراف تهنئة لإيران بمناسبة هذا "الاتفاق التاريخي" الذي سيفتح "صفحة جديدة" في تاريخ المنطقة.
وذكرت أن العربية السعودية قامت بمراسلة طهران، وقالت في محاولة فاشلة لتغطية إحساسها بالخيبة؛ إنها تأمل في أن يبني البلَدان "علاقات أفضل" مبنية على "حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضهم البعض".
وأضافت أن "هذه التهاني الجوفاء، والكلمات الخالية من المعاني الصادقة؛ لا تخفي تخوف بلدان المنطقة من موقع القوة الجديد الذي اكتسبه عدوهم اللدود، ومن إمكانية اندلاع نزاع جديد في المنطقة".
واعتبرت "لوموند" أن هذا الاتفاق هو نتيجة عمل دؤوب للرئيس الأمريكي باراك أوباما، منذ بداية فترته الرئاسية الثانية في 2012، في محاولة منه لموازنة القوى في المنطقة. ونقلت عن دبلوماسي غربي أن هذا الاتفاق هو "رهان قام به باراك أوباما؛ من أجل إعادة التوازن بين العربية السعودية السنية، وبين إيران الشيعية، ومن أجل أن تصبح طهران عنصرا فاعلا في السياسة الإقليمية".
وأكدت أن هناك من يعتقد بأن ما قام به الرئيس الأمريكي مجازفة كبيرة، حيث إن حكومة أوباما قد وضعت تحت الامتحان علاقة "المملكة الوهابية" بالتنظيمات المسلحة في الشرق الأوسط، مثل تنظيمي القاعدة والدولة، التي خرجت عن سيطرتها. ولكنها أشارت في الوقت نفسه؛ إلى أن علاقة الولايات المتحدة بالعربية السعودية وبلدان الخليج "أصبح يشوبها غياب الثقة والتفاهم، بينما إيران هي قوة صاعدة لها مستقبل في الشأن الدولي".
وأضافت الصحيفة أن وصول حسن روحاني إلى الرئاسة في 2013، مصحوبا بمحمد جواد ظريف، الذي أشاد الجميع بقدراته الدبلوماسية، وبأسلوبه العملي في التفكير "قد أعطى مجالا لإيران المعتدلة للازدهار، ومنح أملا في نهاية فترة حكم المتعصبين والمعادين للغرب، وخاصة بعد تدهور صحة آية الله خامنئي ذي الخمسة والسبعين عاما".
وأشارت إلى أن "هذه الرؤية التي تبناها الشعب الإيراني؛ تتماشى وخطة الإدارة الأمريكية التي لم تعد ترغب في نشر قواتها على أي أرض في الشرق الأوسط، وخاصة بعد الفشل الذريع الذي عرفته في أفغانستان والعراق، بل أصبحت تفضل التعامل مع جهات فاعلة لها مجال تأثير معروف، الأمر الذي جعلها تساند الجميع ضد الجميع"، مؤكدة أن هذه الاستراتيجية ستعزز موقف إيران الإقليمي وتساعدها على حماية مصالحها التي تمتد من البحر الأبيض المتوسط (لبنان) إلى الخليج العربي (العراق) مرورا بسوريا.
وفي سياق متصل؛ قالت الصحيفة إنه من المستبعد أن تتخلى الولايات المتحدة عن حلفائها العرب في الخليج، باعتبار أنها تمولهم في حربهم باليمن على المليشيات الحوثية التي تحظى بمساندة إيران، خاصة وأنها لن تستطيع بعد اليوم الضغط على طهران من أجل إيقاف المساعدات المالية للمليشيات الشيعية التي تحارب تنظيم الدولة في العراق، ولا أن تنتقد دعم حكومة روحاني لنظام بشار الأسد في سوريا، الحليف الاستراتيجي لإيران وحزب الله اللبناني.
وأفادت بأن "التصريحات التي أطلقها حسن روحاني من أجل تهدئة بلدان المنطقة، والتعهد لهم بأن بلاده ليس لها أي نية في التدخل بشؤونهم الداخلية، وأنها تسعى مثلهم لضمان استقرار المنطقة؛ لم تلاقِ صدى كبيرا"، مشيرة إلى أن الـ150 مليار دولار التي رُفع التجميد عنها؛ أثارت تخوف بلدان المنطقة من أن تتغول إيران سياسيا واقتصاديا، خاصة وأن هذا المبلغ وحده كفيل بتمويل حزب الله اللبناني الذي يتلقى ما يقارب الـ200 مليون دولار من المساعدات السنوية، ودعم نظام بشار الأسد الذي يتلقى 35 مليار دولار سنويا.
وأكدت الصحيفة أن بلدان دول الخليج لم تتوقع أن يتم التوصل إلى الاتفاق، وأن العربية السعودية وتركيا وقطر دأبت منذ أشهر على دعم القوى المعارضة في سوريا معتمدة في ذلك على اتفاقها مع الولايات المتحدة التي ستقوم بتسليحها للغرض ذاته، مضيفة أن الحكومة السعودية الجديدة تحت راية الملك سلمان قد تنصلت من الدعم الأمريكي لتنشئ تحالفا عربيا ضد المليشيات الحوثية في اليمن، التي تعتبر الساحة الخلفية للبلاد، والتي تقوم إيران بدعمها.
وقالت إن المواجهات بين العربية السعودية وحلفائها من جهة، وإيران ومليشياتها من جهة أخرى، تتزايد بشكل يومي، وإن الوضع لا يبشر بخير، وخاصة بعد فوز باراك أوباما برهانه، "خاصة وأن أيا من البلدين لم يقم بأي خطوة تصالحية، بل قامت العربية السعودية بتخصيص 50 مليار دولار لتجديد أسطولها البحري، وقامت إيران بتخصيص خمسة بالمئة من ميزانيتها للدفاع والاهتمام بقدرات جيشها البالستية".
وخلصت الصحيفة إلى أن احتمال نشوب
حرب كبيرة في المنطقة "مستبعد"، باعتبار أن إيران لا تزال غير مستعدة للتحكم في قواها بشكل جيد، وأنها سترتكب العديد من الأخطاء الفتاكة، ولكنها رجحت نشوب
حرب باردة إقليمية، "خاصة وأن المنطقة شديدة التقسيم، وتخضع للعديد من الضغوط، ولا يمكن لطرف وحيد السيطرة عليها منفردا".