نشرت صحيفة "سلايت" الناطقة بالفرنسية، تقريرا حول الاتفاق التاريخي الذي توصلت إليه
إيران والدول الست الكبرى حول الملف النووي، عبرت فيه عن تفاؤلها بأن هذا الاتفاق سيفتح الباب أمام صفحة جديدة في العلاقات الدولية، يتم فيها اللجوء للحوار قبل
الحرب، مشيرة إلى أن "جميع الأطراف مستفيدة من هذا الاتفاق".
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إنه على الرغم من الظروف السيئة التي يمر بها العالم، بدءا من تردي الأوضاع الإنسانية التي يعانيها الشعب السوري بسبب عنف نظام بشار الأسد، مرورا بسيطرة
تنظيم الدولة على مناطق حيوية في الشرق الأوسط، وصولا إلى الأزمة الأوكرانية؛ فإن هذا الاتفاق يشكل خطوة كبيرة نحو تحقيق
السلام العالمي.
وأشارت إلى أن هذا الإنجاز تحقق أخيرا بعد مرور 12 سنة من المفاوضات المرهقة بين إيران من جهة، والدول الخمسة الأعضاء في مجلس الأمن زائد ألمانيا من جهة أخرى، حيث توصل هؤلاء إلى حل وسط بعد جهود دبلوماسية منقطعة النظير.
وأضافت أنه في وقت يواجه فيه العالم موجة كبيرة من العنف، حيث أصبحت عمليات القتل الجماعي سمة عادية من سمات الحياة المعاصرة، وبدا السلم العالمي أمرا صعب المنال؛ جاء هذا الاتفاق حول الملف النووي الإيراني ليفتح الباب أمام الحلول السلمية والمفاوضات الدبلوماسية، كحل وسط للمشاكل التي واجهها المجتمع الدولي.
واعتبرت الصحيفة أن "هذا الاتفاق هو أكثر من مجرد مجموعة بنود متعلقة برفع العقوبات على طهران"، مؤكدة أن تفاصيله تتعدى الحد من القدرة النووية الإيرانية، "فهذه الجولة من المفاوضات التي امتدت على 17 يوما؛ هي عبارة عن محاولة مبتكرة لإيجاد سلم عالمي دائم".
وأضافت أن "النجاح الحقيقي لهذه المحادثات؛ يكمن في إيجادها حلولا بطرق ديمقراطية ودبلوماسية لفض النزاع بين الولايات المتحدة وإيران، بعد أن كاد هذا النزاع يقودهما إلى الحرب في السنوات الماضية".
وقالت الصحيفة إن من بين الأشياء التي تجعل من هذا الاتفاق أمرا مهما؛ هو أن معضلة برنامج إيران النووي الذي تم حلها، تمثل مشكلا عالميا، إذ إنها "لا تؤثر على البلدان المجاورة لإيران فقط، بل إن لها تأثيرا يمتد إلى كافة أنحاء العالم".
وتابعت بأنه من النادر أن تحل مثل هذه المشاكل المتشعبة عبر الطرق الدبلوماسية، ففي العادة تمر الأطراف المتنازعة إلى الحل العسكري أولا، ثم عندما يصيبها الإنهاك تركن إلى الجلوس على طاولة المفاوضات كحل ثانوي.
وأشارت إلى أن بعض الأصوات نادت بإعلان الحرب على إيران كحل سهل وسريع، في حين كان الخبراء العسكريون يحذرون من أن هذا الحل سيؤدي إلى حرب طويلة المدى، وغير مضمونة العواقب.
وأوردت "سلايت" أن الحل العسكري كان مدرجا ضمن خيارات الولايات المتحدة منذ 2005، وأن حكومة جورج بوش الابن كانت تنوي مهاجمة إيران في أي لحظة، ولكن تقرير المخابرات الأمريكية الذي رجّح عدم امتلاك إيران أسلحة نووية أدى إلى تعليق هذه الخطة.
وأضافت أن أحد أبرز النجاحات التي حققتها هذه المفاوضات؛ تتمثل في تفادي اندلاع حرب بين الولايات المتحدة وإيران، ليشكل هذا الإنجاز نقطة قوة تجعل من هذا الاتفاق تاريخيا.
وقالت إن إدارة الرئيس الأمريكي باراك
أوباما سعت إلى تمديد المفاوضات في 2011، وذلك لمنع "إسرائيل" من الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، مشيرة إلى أن أوباما خلص في 2013 إلى أن تواصل العقوبات المسلطة على إيران؛ لن يؤدي إلا إلى نشوب حرب كانت جميع الأطراف في غنى عنها.
وأشارت الصحيفة إلى أن المفاوضات أدت إلى إيجاد توافقات مذهلة، حيث كانت هذه المفاوضات مبنية على أسس واضحة، قائمة على مفهوم الربح المشترك، أي أنه لا يوجد طرف خاسر وآخر رابح؛ فجميع الأطراف مستفيدة من هذا الاتفاق.
وأضافت أن شروط الاتفاق كانت واضحة بالنسبة للطرفين؛ فالولايات المتحدة مستعدة لرفع العقوبات الاقتصادية على إيران، في مقابل توقف طهران عن تخصيب اليورانيوم، وكان هذا الشرط من بين الأسباب التي أفشلت المفاوضات السابقة، "ولكن في هذا الاتفاق الأخير توصلت إيران والولايات المتحدة إلى حل وسط جعل من هذه المفاوضات طريقا إلى تحقيق السلم العالمي".
وتابعت: "فإيران لن تتوقف نهائيا عن تخصيب اليورانيوم، بل ستواصل إنتاجها بطريقة معتدلة وخاضعة للرقابة، حيث إنه سيكون عليها أن تتعامل بشفافية أكثر مع هذا الملف، وبهذه الطريقة تكون الولايات المتحدة قد تأكدت من أن إيران لن تحصل على قنبلة نووية، وفي نفس الوقت تكون طهران قد نجحت في فك عزلتها؛ دون أن تتخلى نهائيا على طموحاتها النووية".
ونقلت الصحيفة عن الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، قوله إن "إيران والولايات المتحدة بإمكانهما التعامل بتفاهم بعد هذا الاتفاق"، مضيفة أن "هذا التناغم بين البلدين سيمثل نقلة نوعية في السياسة العالمية".
وفي الختام؛ توقعت "سلايت" أنه إذا نجحت الولايات المتحدة وحلفاؤها وإيران؛ في المحافظة على ديمومة هذا الاتفاق؛ فإن الإنسانية ستشهد تغييرا جذريا في السياسة العالمية، حيث إن هذا الاتفاق سيساعد على تسويق فكرة جديدة؛ تتمثل في أن "الدبلوماسية ستكون الحل الأوحد لتفادي الحرب، بدل أن تكون حلا ثانويا يتم اللجوء إليه بعد نشوب الحرب".