دعا عدد من الناشطين والمفكرين النصارى في مصر، ممن يدعمون الانقلاب العسكري، إلى حرية "
التبشير بالمسيحية" في مصر، زاعمين أن هذا "التبشير" حق كفلته القوانين، ويتفق مع دعوة رئيس الانقلاب عبدالفتاح
السيسي إلى تجديد الخطاب الديني، وحرية الاعتقاد.
فقد شنت جريدة "وطني" القبطية، في عددها الصادر هذا الأسبوع، حملة هاجمت فيها إلقاء القبض في شهر رمضان على سبعة من الشباب المسيحي بمنطقة المنتزه في الإسكندرية، وهم يقومون بتوزيع التمر مع الأناجيل على الصائمين ساعة الإفطار، حيث تم تحرير محضر لهم، ثم إطلاق سراحهم بكفالة من النيابة على ذمة القضية.
وقالت الصحيفة إن موقعة "البلح" فتحت ملف تجريم التبشير في مصر، مشددة على أن التوسع في تهمة "ازدراء الأديان" أمر يستهدف ترويع المسيحيين، وفق وصفها.
واستطردت: "يبدو أن المجتمع من كثرة النزعات الطائفية التي تم بثها من قبل المتطرفين، وممارستها على المسيحيين، عد التبشير جريمة.. بالرغم من أن خبراء القانون أقروا أنه لا توجد تهمة اسمها التبشير"، وفق الصحيفة.
وزعمت أنه تم فتح ملف تجريم التبشير عام 1939 من قبل جماعة الإخوان المسلمين التي هاجمت الإرساليات والبعثات التعليمية آنذاك، لتجريم التبشير بالمسيحية خاصة في مدارس الإرساليات.
وهاجمت الناشطة القبطية، عضو مجلس نقابة الصحفيين، حنان فكري، واقعة القبض على الناشطين المسيحيين، وزعمت أنها الأولى من نوعها التي يتهم فيها بعض الشباب المسيحي بالتبشير، وأنها لم تكن تهمة ازدراء الأديان الأولى التي يتم تلفيقها من قبل المتطرفين للزج الانتقامي ببعض المسيحيين إلى السجن، وفق زعمها.
وتساءلت: "لمصلحة من تعصب سلطة العدالة عينيها، وتسير خلف المتأخونين وكارهي السلام؟ ولمصلحة من يتم شحن النفوس، وتأجيج الصراع على خلفية دينية؟ وهل هذا هو تجديد الخطاب الديني الذي تحدث عنه الرئيس السيسي؟".
وأضافت: "كنا نظن أن التمييز والعنصرية ضد
الأقباط عهد مضى لكن يبدو أن النفق المظلم طويل، والضوء عند نهايته ما زال خافتا جدا"، على حد قولها.
ومن جهته، انتقد الناشط القبطي كمال زاخر "توالي قضايا ازدراء الأديان من فلول الجماعات الإرهابية التي أدركت أن أقصر الطرق لتفكيك تحالف 30 يونيو هو ترويع الأقباط، باعتبارهم من أضلاع هذا التحالف، ويتطور الأمر إلى قصر الملاحقة على الأقباط، ولي عنق الوقائع لتقع في دائرة الازدراء على غير الحقيقة".
وأضاف أن الأمر يحتاج، خاصة في جانبه التشريعي، لتنقية القوانين المتعلقة بهذه الجريمة، حتى لا تتحول إلى سلاح في يد من يسعون لتفكيك الوطن، على حد قوله.
وانضم إلى الهجوم رئيس لجنة الإعلام والنشر بالكنيسة الإنجيلية، القس رفعت فكري، الذي قال: "إن التبشير لا يعني أبدا ازدراء الأديان؛ فالتبشير هو فقط نشر تعاليم المسيح، أما ازدراء الأديان فهو التعرض للأديان الأخرى المغايرة بالتهكم والسخرية، وهو أمر لم يدعنا إليه السيد المسيح"، وفق قوله.
وأضاف: "حيث أن التبشير لا يعني أبدا ازدراء الأديان، فإنه من المضحك المبكي في عالمنا العربي أن يصر البعض على إلصاق تهمة ازدراء الأديان بالمبشرين بالمسيح، لا لشيء إلا لكي يحدوا، ويحجموا عملية التبشير، ويروعوا قلوب المبشرين بتعاليم المسيح، حتى يكفوا، ويمتنعوا عن فعلهم الآثم"، على حد وصفه.
واعتبر أن "تعاليم السيد المسيح التي تفوه بها في موعظته على الجبل، التي قيل إن الشباب يقومون بتوزيعها على المارة في الشارع، لا تحوي أي إساءة أو ازدراء لأي دين من الأديان، فهي تعاليم تدعو لمحبة الآخر المختلف أيا كان دينه أو عرقه"، مشددا على أنه "لا توجد جريمة إلا بنص، وأن التبشير ليس جريمة".
في السياق نفسه، وصف المستشار السابق للكنيسة المصرية، نجيب جبرائيل، "ما حدث في الإسكندرية" بأنه "فضيحة".
وزعم أن ما تم توزيعه هو مجموعة مطويات مكتوب فيها آيات المحبة، قائلا: "مفيش تهمة اسمها التبشير كما لا توجد تهمة الدعوة الإسلامية، وخروجهم بكفالة 10 آلاف جنيه كارثة".
وقالت الناشطة القبطية كريمة كمال، إن "واقعة تقديم مسيحيين إلى النيابة بدعوى التبشير؛ لمجرد أنهم قرروا أن يقوموا بمبادرة المحبة، يجب أن تثير فينا الخوف على الدولة ذاتها".
واتهمت كريمة كمال "القائمين على مؤسستي الشرطة والنيابة في مصر"، بأنهم "لا يتصرفون أحيانا كمؤسسات، وإنما كأفراد تحركهم نوازعهم الدينية"، وفق وصفها.
وأضافت أن "المشكلة في القبض على شباب مسيحيين بالإسكندرية ليست فقط أن تتصرف الدولة بمثل هذا الأسلوب، في مواجهة مواطنين، لمجرد أنهم يختلفون مع القائمين على الشرطة والنيابة في الديانة، بل في أن القائمين على المؤسستين لا يتصرفون هنا كمؤسسات، بل كأفراد تحركهم نوازعهم الدينية؛ وهو ما يتحول في حالات أخرى إلى التصرف كقبيلة في مواجهة قبائل أخرى"، على حد تعبيرها.
وكانت قوات الأمن بالإسكندرية ألقت القبض على سبعة من الشباب المسيحيين في أثناء توزيعهم البلح على الصائمين، في شهر رمضان المنصرم، بعد أن وضعوه في مطويات اشتملت على أوراق تدعو للمسيحية، وتم إخلاء سبيلهم بكفالة عشرة آلاف جنيه على ذمة القضية.
ويقول مراقبون إن القوانين المصرية تجرم ازدراء الأديان بالفعل، لكنها لا تجرم "التبشير بالمسيحية"، الأمر الذي تستغله الكنائس المصرية حاليا في توزيع الأناجيل وأوراق التبشير بالمسيحية، في الشوارع وبالقرب من الكنائس علانية على المسلمين، دون خوف من استهداف سلطات الدولة في ظل التقارب الشديد بين قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي ورأس الكنيسة المصرية البابا تواضروس.