نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية مقالا لمنسقة سياسات الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني قالت فيه "إن اتفاقية فيينا، التي تفاوضت فيها عن الاتحاد الأوروبي، تشكل ضربة لخطاب الإرهابيين حول تصادم
الحضارات".
وتستشهد الكاتبة في بداية المقال بما قاله نيلسون مانديلا: "تبدو (الأمور) دائما مستحيلة حتى يتم فعلها"، وتعلق بأن "تلك كانت كلمات الرجل الذي حقق ما كان يعد مستحيلا، وقد تردد صدى تلك الكلمات في أذني في 14 تموز/ يوليو الماضي، عندما توصلت سبع دول في فيينا تحت توجيه الاتحاد الأوروبي أخيرا إلى اتفاق مع
إيران، بخصوص برنامجها
النووي. وبعد عقد من التوتر وعدم الثقة، و12 عاما من الأمل والخوف، و22 شهرا من المفاوضات المركزة والصعبة ذات الطابع التقني والسياسي العالي، فعلناها أخيرا".
وتتساءل موغيريني قائلة: "هل سيشكل هذا صفحة جديدة في علاقة إيران مع بقية العالم؟، ينقسم المعلقون حول هذا الأمر، ولا يزال النقاش حادا في هذا المجال. وأنا أتفهم الأسباب خلف هذا التشكك، ولكنني أعتقد أن فصلا جديدا أوشك أن يفتح".
وتقول الكاتبة: "لن يحصل التغيير بين ليلة وضحاها، وقد لا يكون حتى بعد عدة أشهر، بل سيأخذ وقتا، وسيحتاج إلى إرادة سياسية قوية ورؤية وعمل دؤوب، ويتطلب شجاعة وجرأة، وهي العناصر ذاتها التي نحتاجها للتوصل إلى اتفاق، وقد فعلنا، ويجب أن نكون واثقين من أن التصميم القوي ذاته يستطيع بناء إطار إقليمي مختلف، يعتمد على التعاون بدلا من المواجهة".
وتضيف موغيريني: "أن صور الشباب الواردة من إيران وهم يحتفلون بالاتفاق، التي تثلج الصدر، هي مبعث أمل، فقد رأينا مدى الفرحة التي تسبب بها الاتفاق، وتلك الفرحة مشوبة بالأمل بمستقبل أفضل. وذكرتنا تلك الاحتفالات بأن الاتفاقية هي أيضا استثمار في جيل يحلم بمستقبل أفضل".
وتعلق الكاتبة قائلة: "نعرف أن هناك قلقا في المنطقة وخارجها، ولكن سبب المفاوضات الطويلة والصعبة هو لأننا رغبنا في اتفاقية قوية تستطيع أن تتحمل ظروف المكان والزمان".
وتشير موغيريني إلى مشاركتها، وتقول: "شاهدت عن كثب التزام المفاوض الإيراني بقيادة وزير الخارجية محمد جواد ظريف، وكذلك التزام القوى الدولية السبع. وكانت هناك تخمينات بأن تكون بعض جولات المفاوضات (حامية)، ويجب ألا نتوقع أقل من هذا بسبب أهمية القضايا التي كانت قيد البحث. ومع هذا فقد كانت رغبة الجميع أن نلتزم في المفاوضات بالاحترام المتبادل والوضوح، وهذا ما حصل فعلا".
وتؤكد الكاتبة أنه "يجب علينا أن نتذكر دائما أنه قد ساد في بداية المفاوضات فقدان الثقة بين إيران والمجتمع الدولي، وفي النهاية توصلنا إلى اتفاقية لا تقوم على الثقة، بل على التزامات دقيقة وشفافية".
وتفيد موغيريني في مقالها، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن "الهدف من المفاوضات كان هو معالجة وحل المخاوف المتعلقة ببرنامج إيران النووي، وللاتفاق على ضمانات قابلة للتدقيق وطويلة الأمد حول الاستخدام السلمي للبرنامج النووي الإيراني. وقد تم الاعتراف بحق إيران في برنامج نووي مدني، مع ضمان أن إيران لن تسعى و(تحت أي ظروف) للحصول على قنبلة ذرية. وسيكون رفع العقوبات مرتبطا بتطبيق إيران للإجراءات المتعلقة بالبرنامج النووي. وتم تصميم الاتفاق للصمود مع مرور الزمن، وكان اتفاقا جيدا دون مساحة للتفسير أو الشك. وهو اتفاق سيسمح تطبيقه ببناء الثقة، ويمهد لعلاقة جديدة".
وتبين الكاتبة ما ستفعله في قادم الأيام، وتقول: "ستكون مهمتي في المرحلة القادمة هي تنسيق عمل اللجنة المشتركة لتطبيق الاتفاقية. وهذا هو السبب المباشر لسفري إلى إيران اليوم، بعد أسبوعين من التوقيع على الاتفاق. ولكن ليس ذلك فحسب، بل يجب علينا البناء على النتيجة التاريخية التي حققناها في فيينا".
وتقول موغيريني عن دورس الاتفاقية: "تعلمنا اتفاقية فيينا أننا جميعا سنكسب إذا اخترنا التعاون على المواجهة. ويعود الأمر بالكامل لنا بأن نحقق أكثر ما نستطيع من هذه الفرصة، ولكن لن يحصل أي شيء جيد إذا لم نعمل باجتهاد لتحقيق ذلك. ولدينا نحن الأوروبيون تاريخ حافل بالعلاقات الثقافية والاقتصادية مع إيران. وقبل فرض العقوبات عام 2005 امتد التعاون بيننا إلى عدة مساحات من الطاقة إلى التجارة إلى المصالح المشتركة التي تتجاوز الاقتصاد".
وتتابع الكاتبة: "أوكل رؤساء وزراء أوروبا إلي الأسبوع الماضي القيام بالبحث في الطرق التي يستطيع فيها الاتحاد الأوروبي العمل على تعزيز إطار إقليمي للمزيد من التعاون بعد اتفاقية فيينا.
تنظيم الدولة يقوم بنشر فكره المروع في الشرق الأوسط وأبعد من ذلك، ولا شيء يخيفه أكثر من التعاون بين الغرب والعالم الإسلامي؛ لأن ذلك يقوض روايته حول صراع الحضارات، فاتحاد الحضارات قد يكون أقوى الأسلحة في حربنا على الإرهاب".
وتجد موغيريني أن المسالة "لا تتعلق بتنظيم الدولة فحسب، بل إن الشرق الأوسط كله في حالة اضطراب، والطائفية تزداد، فنحتاج إلى إعادة العمليات السياسية لإنهاء الحروب. نحتاج إلى إعادة القوى الإقليمية إلى طاولة المفاوضات لإنهاء المذابح. والتعاون بين إيران وجيرانها والمجتمع الدولي كله قد يفتح أبوابا غير مسبوقة على السلام في المنطقة، ابتداء من سوريا إلى اليمن والعراق".
وتختم الكاتبة بالقول: "سيقول المتشككون إن هذا غير وارد أو مستحيل، وسيحذر المتشائمون من المخاطر. ولكن المفاوضات في فيينا أثبتت أنه يمكن حل أصعب الأحجيات، ما دامت هناك إرادة سياسية لتجاوز المصاعب. إن السفر إلى إيران هو خيار واضح بالنسبة لي، فبعد سنين من المفاوضات، فإن العمل المشترك بالتأكيد لم ينته. تبدو (الأمور) دائما مستحيلة حتى يتم فعلها".