نشر موقع "ميدل إيست آي" تقريرا لجوناثان كوك، حول خطط الاحتلال
الإسرائيلي لإقامة مشروع إعماري ضخم، يشتمل على إقامة بيوت وبقالات وفندق، على واحدة من أكبر وأهم المقابر الإسلامية في الشرق الأوسط.
ويشير التقرير إلى أنه تم التراجع قبل عامين عن خطة سابقة لبناء محكمة على جزء من
مقبرة "مأمن الله"؛ لأن المشروع تسبب في حينه باحتجاجات واسعة.
ويذكر الكاتب أن المقبرة، التي تقع خارج أسوار مدينة
القدس القديمة، تحتوي على قبور عدد من الصحابة الكرام، إضافة إلى آلاف من جنود صلاح الدين، الذين ساعدوا في دحر الصليبيين من الأرض المقدسة قبل حوالي ألف عام. كما أن العائلات المقدسية العريقة كانت تدفن فيها حتى عام 1948، عندما وقعت المقبرة تحت السيطرة الإسرائيلية.
ويبين الموقع أن بلدية القدس قد تسببت بجدل واسع قبل سبع سنوات، عندما وافقت على بناء "متحف التسامح" على جزء آخر من المقبرة، حيث تطلب المشروع نبش 1500 قبر.
وينقل التقرير عن المتحدث باسم الحركة الإسلامية الشمالية في إسرائيل زكي أغبارية، قوله إن المشروع هو امتداد لمشروع المتحف، وسيقود إلى المزيد من "التدنيس" للموقع.
ويضيف أغبارية لـ"ميدل إيست آي": "تصر إسرائيل على تكثيف التهويد لهذه المنطقة ولجميع أنحاء القدس، ولم تفكر في مدى أهمية هذه المقبرة، ليس للفلسطينيين فحسب، بل للمسلمين في أنحاء العالم كافة". مشيرا إلى أنه يجب رؤية المشروع في إطار "الجهود الإسرائيلية المستمرة للاستيلاء على المقدسات الإسلامية في القدس"، بما في ذلك المسجد
الأقصى.
تطورات خطيرة
ويلفت كوك إلى أن خطة البناء في مقبرة مأمن الله تأتي بينما تتحضر الجامعة العربية لعقد اجتماع طارئ الأسبوع القادم، لمناقشة ما أسماه المسؤولون
الفلسطينيون "تطورات خطيرة" في المسجد الأقصى.
ويذكر الموقع أنه قد جرح حوالي 19 فلسطينيا في المسجد الأقصى، بحسب التقارير، عندما اقتحمت الشرطة الإسرائيلية المنطقة، للسماح لعدد من اليهود، بينهم وزير، للصلاة في المسجد الأقصى.
ويفيد التقرير أنه بحسب خطة البناء، التي وافقت عليها لجنة التخطيط المحلية في القدس، فإنه سيتم بناء حوالي 200 بيت وفندق يحوي 480 غرفة وبقالات ومصف للسيارات على أرض المقبرة.
وينقل الكاتب عن عالم الآثار جدعون سليماني، الذي كان قد عمل في حفريات "متحف التسامح"، ولكنه ومنذ ذلك الوقت تحول إلى ناقد لهذا العمل، قوله إن الخطة الجديدة هي استمكال لعملية طويلة الأمد. وأضاف: "أن السياسة (الإسرائيلية) هي تفكيك ما بقي من تراث إسلامي في القدس قطعة قطعة، لتنظيف المنطقة وجعلها يهودية".
ويورد الموقع أن الباحث مع معهد "فان لير" في القدس وعضو بلدية القدس السابق مئير مرغليت، يقول إن الموافقة النهائية من لجنة التخطيط الإقليمية تعد مضمونة، ويضيف: "لا يبدو أن هناك ما يمكن أن يعطل انطلاق المشروع، ويبدو من المؤكد بدء عمليات البناء السنة القادمة".
ويتابع مرغليت للموقع بأن البلدية كانت تبحث عن طرق للبناء في الموقع، بعد أن فشلت خطة بناء محكمة، التي نقضتها رئيسة المحكمة العليا في وقتها دوريت بينيش. مشيرا إلى أنه قد حصل ضغط على رئيسة المحكمة من حقوقيين أوروبيين أعربوا عن احتجاجهم على البناء في موقع حساس كهذا.
وينوه التقرير إلى أنه تم التحويل إلى بناية تجارية في الموقع ذاته، الذي كانت ستبنى فيه المحكمة؛ لأنه من الأكثر صعوبة الضغط على المتعهدين للانسحاب من المشروع. مبينا أن جزءا من البناء القائم على المقبرة حاليا هو مدرسة أقيمت في سبعينيات القرن الماضي، بينما يقع معظم ما تبقى من المقبرة تحت "حديقة الاستقلال"، التي أقيمت للاحتفال بذكرى انتصار إسرائيل في حرب 1948.
ويشير كوك إلى أنه قد بدأ العمل في "متحف التسامح" عام 2011، بالرغم من المعارضة الشديدة من المجموعات الإسلامية وعلماء الآثار الإسرائيليين المعارضين والعائلات الفلسطينية.
محو الماضي
ويقول الموقع إنه عندما تم اقتراح بناء المحكمة قبل خمس سنوات، قامت سلطة الآثار الإسرائيلية بست حفريات في أرض المدرسة للتحقق من وجود قبور. وفي خمس حفريات من الست تم العثور على قبور وعظام، ويقول مرغليت إن علماء الآثار والبلدية حاولوا التكتم على الاكتشاف في وقتها.
ويذكر الكاتب أن المحكمة العليا وافقت على مشروع "متحف التسامح"، بعد أن قال المسؤولون إن هناك فقط "عدة عشرات من القبور" الموجودة في الموقع كله.
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن تحقيقا أجرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية كشف أنه تم نبش حوالي 1500 قبر في سرية تامة ودون أي رقابة صحيحة. وقال العمال للصحيفة إن العمل تم إنجازه بسرعة كبيرة، حيث هشمت جماجم وتحطمت عظام، ووضعت كلها في صناديق كرتونية.
وينقل الموقع عن أستاذ الآثار في جامعة تل أبيب رافي غرينبرغ قوله إن ضغط الوقت ستعني أنه سيتم الحفر مرة أخرى في موقع المدرسة بطريقة مشابهة، وبالتأكيد سيقود ذلك إلى تدمير مئات القبور الأخرى.
ويضيف غرينبرغ لـ"ميدل إيست آي": "المشكلة هنا أن لا أحد في موقع رسمي يبدو مهتما بحقوق أو كرامة الموتى، وبلدية القدس تعرف أنه من السهل عليها تجاوز المعارضة الدينية عندما يكون الشأن متعلقا بمقبرة إسلامية؛ لأن صوت السكان المسلمين السياسي في القدس هو الأضعف، ولو كان هذا سيتم بحسب الأصول فيجب أن يكون لكل من له شأن رأي فيما يحصل. فهل نستطيع أن نتخيل أن تنبش مقبرة يهودية في أوروبا دون أن يكون هناك حوار جاد مع المجتمع اليهودي المحلي؟".
وقالت بلدية القدس للموقع إنه تم البدء بالمشروع "فعلى المعهد الذي سينفذ المشروع أن يأخذ بالحسبان أي حساسيات في الموضوع".
دعاوي كاذبة
ويستدرك كوك بأن المخاوف تزايدت بسبب تقرير نشرته هذا الشهر الأكاديمية الوطنية للعلوم، حيث يتهم التقرير المسؤولين الإسرائيليين بنشر ادعاءات كاذبة حول مواقع أثرية. ويشير التقرير إلى أن علماء آثار إسرائيليين تآمروا مع الحكومة؛ لتمرير أجندتها السياسية، خاصة في القدس، حيث عملوا عن قرب مع المستوطنين.
ويبرز التقرير، الذي ألفه واحد من أكبر علماء الآثار الإسرائيليين، يورام تسفرير، ازدواج المعايير الإسرائيلية في موضوع الآثار، مشيرا إلى أن هناك قيودا شديدة على الحفريات، إن كان هناك خطر في نبش أي قبر يهودي.
ويقول أغبارية إن الأمل في معارضة هذه الخطة قليل جدا، حيث فشلت الحركة الإسلامية الشمالية وغيرها في إقناع المحكمة العليا بمنع بناء "متحف التسامح" عام 2008. ويضيف: "أملنا الوحيد الآن هو في الاحتجاج، وأن يمارس الضغط الدولي على إسرائيل"، مشيرا إلى أن الحركة الإسلامية لا تزال تدرس الطريقة المناسبة للرد على الخطة، بحسب الموقع.
ويوضح الكاتب أن عبء وقف البناء في مقبرة "مأمن الله" وقع بشكل رئيسي على كاهل الحركة الإسلامية، حيث أن إسرائيل ومنذ عام 2000 قمعت أي نشاط سياسي للمنظمات الفلسطينية في القدس، ققامت بطرد قيادات حركة حماس من المدينة، ومنعت أي أنشطة تتعلق بالسلطة الفلسطينية، التي يرأسها محمود عباس، بحسب تقرير لمجموعة الأزمات الدولية في واشنطن.
ويستدرك الموقع بأن الحركة الإسلامية كافحت من أجل إبقاء وجود لها في القدس؛ بسبب القيود المفروضة على الكثير من مسؤوليها الكبار. فتم منع زعيم الحركة الشيخ رائد صلاح من دخول القدس، وسجن بسبب أنشطته هناك، وفي آذار/ مارس الماضي حكم بالسجن لمدة 11 شهرا بتهمة التحريض خلال خطبة ألقاها في القدس.
ويفيد التقرير بأنه بحسب نائب عمدة القدس السابق ميرون بيفينستي، فإن كثيرا من المواقع الإسلامية في القدس تم تحويلها إلى "مكبات للنفايات ومرائب للسيارات وشوارع ومواقع بناء".
ويختم "ميدل إيست آي" تقريره بالإشارة إلى أن رئيس مركز السلام والتعاون في القدس رامي نصرالله يقول إن المدينة تعاني من "تخطيط متحيز بشكل كبير، وكانت السياسة خلال 48 عاما مصممة لمحو الهوية الفلسطينية للقدس واستبدالها بهوية يهودية، والتحدي الذي يواجهنا هو كيف نوقف هذه السياسة عندما تفرضها الحكومة ويؤيدها القضاء".