كتب منار الرشواني: بالنسبة للمعارضة السورية عموما، لم يكن من جديد محبط أبدا في إعلان بشار
الأسد في خطابه الأخير، قبل أيام، رفضه القاطع لأي حوار مع هذه المعارضة؛ مسلحة كانت أم غير المسلحة.
فمنذ اليوم الأول للثورة السورية، وطوال فترة سلميتها، أصر الأسد (وإيران) على اعتبار كل معارض لاستبداد نظامه وفساده، مطالب بالإصلاح بأي درجة، محض "إرهابي" أو عميل للإمبريالية الأمريكية، حتى وإن كان الأسد ذاته يستجدي على امتداد السنوات السابقة التعاون مع الولايات المتحدة، والغرب عموما، ويأمل الآن ولو القليل من التسامح منهما بعد اتفاقهما مع حليفه الأول طهران، بشأن برنامجها النووي.
إلا أن رفض حوار كهذا، والإصرار على الأكاذيب ذاتها من الأسد ونظامه، بدعشنة المعارضة عموما، إنما يمثلان، كما يبدو في سياق الخطاب ذاته، نذير شؤم وتهديدا لموالي الأسد وأنصاره وحدهم.
فكما لاحظ المراقبون، لم يكد يذكر الأسد في ذاك الخطاب كلمة النصر، مستعيضا عنها بالصمود!
وهو صمود قد يستدعي، بحسب الأسد، التخلي عن مناطق أقل أهمية من أخرى يجب الحفاظ عليها، لاسيما في ظل تناقص القدرة البشرية لقوات النظام. والسؤال التلقائي الذي لا بد وأنه تبادر إلى ذهن الموالين قبل غيرهم هو: مواصلة القتال نحو أي غاية، وبالتالي إلى متى؟ فلا النصر مطروح، ولو زعما وخطابا أجوف، كما كانت الحال إلى فترة قريبة؛ ولا الحوار مطروح أيضا للتوصل إلى حلول وسط، تحقن الدماء وتوقف حرب الاستنزاف التي تطال حاضنة الأسد الاجتماعية أكثر من أي فئة أخرى ضمن الشعب السوري.
حتى العبارة الفضيحة في الخطاب، بأن
سوريا لمن يدافع عنها، لا تعني إلا تهديد أنصار الأسد، فالمعارضة السورية بأطيافها كافة، بمن في ذلك المقيمون في الداخل، يحذرون ويرفضون تماما عمليات التجنيس الواسعة للإيرانيين وتمليكهم سوريا. وقد كان ذلك بندا واضحا جدا في مقررات لقاء القاهرة الأخير، باعتبار أحد شروط إنهاء الأزمة إلغاء قرارات التجنيس وإسقاط الجنسية التي اتخذت خلال سنوات الثورة، ومثلها مصادرة الأملاك ومنحها لإيرانيين أو شبيحة أو متنفذين في النظام.
وإذا كان الأسد، وفق الظروف الموضوعية الحالية، لا يتوقع استعادة ما خرج عن سيطرته، فمعنى ذلك أن
الإيرانيين سيشاركون -وفق أفضل السيناريوهات- حاضنة الأسد أساسا أرضهم ومواردهم.
أما السيناريو الأصدق، فهو أن الإيرانيين، فوق ذلك، سيُخضعون هذه الحاضنة، لأنهم الآمر الناهي الآن، فكيف إذا استطاعوا تنفيذ خطة تقسيم سوريا فعليا وواقعيا، لأجل إبقاء الأسد؟
بعد أكثر من أربع سنوات من الأزمة في سوريا، يساوي بشار الأسد أخيرا بين المعارضة والموالاة، لكن لا باعتبارهم جميعا شركاء في الوطن السوري، وإنما باعتبارهم، جميعا أيضا، وقود معركة، هدفها الأول والأخير -منذ البداية وإن اعترف بذلك في خطابه الأخير فقط- بقاؤه في كرسي الرئاسة.
وبذلك، لم يعد من مجال لإنكار أن الأسد -أو إيران للدقة- يخوض فعلا حربا على الشعب السوري ككل، معارضة وموالاة؛ من كل دين وطائفة ومذهب.
(عن صحيفة الغد الأردنية 1 آب/ أغسطس 2015)