نشرت صحيفة لاكسبراس الفرنسية تقريرا، تناولت فيه مسألة استعادة العلاقات الديبلوماسية والاقتصادية، بين
مصر وفرنسا، والتي انتعشت بعد صفقة بيع طائرات الرافال، لتتوج بدعوة فرنسوا
هولاند كضيف شرف في افتتاح تفريعة قناة
السويس، وسط انتقادات محلية ودولية لهذه السياسات الفرنسية البراغماتية.
وأشارت الصحيفة في هذا التقرير، الذي ترجمته "
عربي 21"، إلى أن هذه العلاقات قد عادت إبان الانقلاب العسكري، بعد تراجع النفوذ الاقتصادي لفرنسا بالمنطقة، واضطرارها لربط علاقات مع نظام
السيسي لتحقيق مصالحها الاقتصادية على حساب مبادئها، ما أثار موجة استهجان في صفوف المنظمات غير الحكومية بفرنسا، والتي أنكرت على الحكومة ربط مثل هذه العلاقات مع نظام قمعي يمعن في انتهاك حقوق الإنسان.
وأكدت لاكسبراس على أهمية مشروع قناة السويس لدى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، "الشريك الإستراتيجي الجديد" لفرنسا؛ حيث تم تنظيم حفل تدشين ضخم، قامت فيه سفن حربية وطائرات الرافال الثلاثة -التي اشترتها من باريس-، باستعراض ألوان علم مصر، أمام الوفود الأجنبية بميناء الإسكندرية.
ولفتت إلى أن مصر هي أولى الدول التي تتسلم هذه الطائرات الحربية الفرنسية، في صفقة "مفاجئة" بين باريس والقاهرة، بلغت كلفتها 5.2 مليار يورو، كانت الدفعة الأولى لإنعاش العلاقات الاقتصادية بين البلدين، في سياق داخلي حساس تعيشه مصر منذ الانقلاب العسكري، الذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي.
وذكرت الصحيفة بالعلاقة التاريخية التي تجمع البلدين، بفضل الدور المحوري لقناة السويس في تيسير مرور السفن التجارية للبحر الأبيض المتوسط، عبر البحر الأحمر. وفي هذا السياق، اعتبرت الصحيفة أن فرانسوا هولاند يسير على خطى الامبراطورة "أوجيني"، زوجة نابوليون بونابارت؛ التي أشرفت على افتتاح القناة سنة 1869، والذي تم برعاية رجل الأعمال الفرنسي "فرديناند دي ليسبس" والخديوي إسماعيل باشا.
وقالت لاكسبراس إن حلول الرئيس ووزير الدفاع الفرنسيين بمصر، هو إحياء لعلاقة ثنائية، مرت بصعوبات كثيرة منذ الثورة المصرية، لتعود بعد فترة من الانقلاب العسكري الذي قاده الضابط عبد الفتاح السيسي آنذاك، والذي فتح الباب أمام سياسة قمعية شديدة ضد معارضي النظام العسكري.
وفي السياق ذاته، أشار أحد الديبلوماسيين الفرنسيين إلى الدور الإقليمي الذي تلعبه مصر في المنطقة، وهو ما يفرض ربط علاقات معها بصرف النظر عن الطريقة اللاديمقراطية التي وصل بها السيسي للحكم، وأسلوب تسييره للبلد.
وذكرت الصحيفة أن كلتا الدولتين معنيتان بالوضع الذي تعيشه ليبيا، حيث يسعى تنظيم الدولة للانتشار، في حين يستهدف فرعه بسيناء قوات الأمن المصري باستمرار.
وأشارت الصحيفة إلى أن
فرنسا عززت علاقاتها مع المملكة العربية السعودية، التي أصبحت أكبر ممول لنظام السيسي بعد تراجع علاقته مع الولايات المتحدة الأمريكية، تحت ضغط المنظمات الحقوقية، حيث ترى باريس أن مصالحها الإستراتيجية والتجارية بالشرق الأوسط تتطلب توطيد تحالفها مع الرياض، في حين يسعى السيسي لزيادة عدد حلفائه وكسب الشرعية.
على الصعيد الاقتصادي، لفتت الصحيفة إلى تقليص النشاط الاستثماري الفرنسي في الدول العربية إبان ثورات 2011، مشيرة إلى الدور المحوري الذي تلعبه هذه الدول في انعاشه. غير أن مصر شهدت عودة تدريجية للمستثمرين الفرنسيين والأجانب، عقب القمة الدولية التي عقدت في شرم الشيخ، منذ ثلاثة أشهر.
اجتماعيا وسياسيا، قالت لاكسبراس إن مصر تشهد أجواء مشحونة، عززتها السياسة القمعية التي ينتهجها النظام العسكري؛ حيث نددت الكثير من المنظمات غير الحكومية والجمعيات الحقوقية، بالعنف والظلم الذي يتعرض له "المفكرون الأحرار" عامة، والمنتمون للإخوان المسلمين خاصة، على أيدي أعوان عبد الفتاح السيسي، وهو ما دفعهم للتنديد بالسياسة الفرنسية "الجديدة" إزاء القاهرة. حيث اعتبر التطبيع الديبلوماسي والاقتصادي مع مصر، والتغاضي على الانتهاكات التي يقوم بها النظام العسكري تواطؤا معه، ودعما غير مباشر لهذه السياسات المناهضة لحقوق الإنسان، في سبيل تحقيق المصالح الاقتصادية الفرنسية.
من جهته، اعترف أحد الديبلوماسيين الفرنسيين بضعف السياسة المصرية في مواجهة ما تدعيه من انتشار للتطرف، حيث أكد أن القمع لا يزيد هذا "الإشكال" إلا تفاقما، وهو ما يرفض الساسة المصريون الاعتراف به. كما أشارت الصحيفة إلى رد فعل السيسي، حين أثارت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل قضية حقوق الإنسان في مصر، أثناء زيارته لألمانيا؛ وأجابها بأنه يحترم وجهة نظرها وينتظر منها القيام بالمثل. ولم يمنع ذلك الأمر شركة سيمانس من إبرام أهم عقد لها في تاريخها؛ إذ قامت ببيع أربع وعشرين توربينة غازية مقابل ثمانية مليارات يورو.
وفي الختام، قالت صحيفة لاكسبراس، إنه من المتوقع أن يتطرق هولاند إلى هذه المسألة في سياق محادثاته مع السيسي، مرجحة أن يتم ذلك على انفراد.