كان لافتا أن يحوّل اعتقال أحمد
الأسير الأنظار إلى "حزب الله" وأمينه العام. فردود الفعل أظهرت، في الداخل كما في الخارج، أن في وجود الشيخ الصيداوي وراء القضبان خطوة طبيعية نظرا إلى تمرّده على الدولة، واعتدائه على الجيش، وولغه في التحريض المذهبي، لكنها أشارت إلى وجود قتلة معروفين ومتمتّعين بحصانة "الحزب" الذي وضعهم فوق الدولة والقانون، وكذلك إلى التحريض العلني المتلفز الذي يمارسه حسن نصرالله ويوظّفه لتكريس حال شاذة تستهتر بالدولة وتمعن في تهميش الجيش.
وهي حال ذهبت بتداعياتها أبعد كثيرا مما بلغته الظاهرة البائسة التي مثّلها أحمد الأسير. ولعل المصير الذي انتهى إليه الأسير كشف كل الأكاذيب التي حيكت حول علاقاته الداخلية ومَن حرّكه وموّله، وخصوصا مَن حماه. إذ اتضح أخيرا أنه لم يحظَ بأي حماية، وأن حمله السلاح كان خيارا غبيّا لم تؤيده طائفته، بل استدرجه إليه ذلك "الحزب" و"سرايا" زعرانه.
أدّى الاعتقال غداة الذكرى التاسعة لـ"النصر الإلهي" إلى حجب الأضواء باكرا عن خطاب نصرالله الذي حفل، كما باتت العادة، بالكثير من التضليلات، وكأن
اللبنانيين لم يكونوا شهودا على حرب تموز 2006. قال إن "النصر" حصل رغم الانقسام السياسي وعدم وجود رأي موحّد في البلد، وطالما أنه شهّد الرئيس نبيه بري ففي استطاعة الأخير أن يقول ما اذا كان ذلك الانقسام أساء لذلك "النصر" أو أربكه.
ثم ما المقصود بـ"الرأي الموحّد" اذا كان "حزب الله" "فاتح على حسابو" ولا يستشير أحدا غير الإيرانيين، فهل "الرأي الموحّد" يعني أنه كان على الحكومة آنذاك أن تعلن الحرب أو تأمر الجيش بالمشاركة فيها، وهل يمكن أي حكومة أن تساند حربا لم تقررها أو أن تدعم مَن قرّرها على أساس "لو كنّا نعلم لما كنّا ذهبنا إلى الحرب"؟ والأهم أن نصرالله لا يأخذ في اعتباره أبدا أن من يسميه "الفريق الآخر" ليس العدو الإسرائيلي بل يلتقي معه ضد هذا العدو، ومع علمه بأن "أسرلة" خصمه الداخلي مجرد كذبة خطابية إلا أنه بات يصدّقها.
أقيم احتفال ذكرى "النصر" في وادي الحجير، لذا استعاد نصرالله المؤتمر الذي عقد في هذا الوادي عام 1920 مستخلصا أن "المقاومة" الحالية هي امتداد لمقاومة أبناء جبل عامل للاحتلال الفرنسي، وهذا حقه وشأنه، لكنه صادر رفض العامليين آنذاك لـ"
التقسيم" ليوحي بأنه لا يزال على الخط العاملي نفسه، وكان ممكنا أن يكون نصرالله محقّا لولا فارق هائل بين إيرانيته الفارسية وبين العروبة التي دافع عنها السيد عبد الحسين شرف الدين في مؤتمر وادي الحجير. فإيران تستخدم "حزب الله" في كفاحها من أجل تقسيم سوريا، ليقينها باستحالة الحفاظ على "مصالحها" في سوريا موحّدة.
(نقلا عن صحيفة النهار اللبنانية)