يتنقل "أحمد عبد العزيز" كثيرا هذه الأيام بين المتاجر، وينفق الكثير من الأموال؛ بسبب تجهيز شقته الجديدة التي يستعد للانتقال لها قريبا، لكنه أيضا يبدي حرصا شديدا على أن تقع أمواله فقط في أيدي أشخاص يشاركونه التوجهات السياسية ذاتها.
ومن بين العديد من المحال التجارية التي يشتري منها أغراضه، والحرفيين العاملين في مجال التشطيبات، لا يتعاقد "عبد العزيز" إلا مع "الربعاوية"، التزاما منه بموقف أخلاقي وإنساني تجاه الأبرياء الذين استشهدوا في ميدان
رابعة العدوية، حسب قوله.
ويطلق مصطلح "الربعاوية" على المتعاطفين مع مذبحة رابعة التي قتل فيها المئات وأصيب الآلاف يوم 14 أغسطس 2013، حينما قامت قوات الجيش والشرطة بفض الاعتصام السلمي لآلاف من معارضي الانقلاب العسكري الذي أطاح بمحمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطيا في تاريخ
مصر.
ويوضح "عبد العزيز" لـ "عربي21": "شريحة "الربعاوية" لا تقتصر على أعضاء جماعة
الإخوان المسلمين أو باقي الإسلاميين، كما هو شائع، بل تضم كل من يتعاطف مع ضحايا "رابعة" أيا كان انتماؤه السياسي أو الديني أو خلفياته الاجتماعية والاقتصادية، فتشمل إسلاميين وليبراليين ويساريين، بل إن هناك من الإسلاميين من لا يعد من الربعاويين، كأعضاء حزب النور السلفي الذي كان من بين القوى السياسية التي أيدت الانقلاب، ولا يزال قادته يحملون الإخوان والرئيس مرسي مسؤولية مقتل الأبرياء، ويعفي عبد الفتاح السيسي وقيادات الجيش والشرطة من أي مسؤولية عن الدماء التي أريقت -ولا تزال- في البلاد منذ أكثر من عامين".
مجموعات للمقاطعة على "فيسبوك"
ودشن عدد من "الربعاوية" مجموعات على "فيسبوك" لتبادل المعلومات والآراء عن المتاجر التي يملكها ربعاوية ليشتروا منها احتياجاتهم، أو يسألون عن أشخاص يقدمون لهم خدمات بشرط أن يكون "ربعاويا".
وزارت "عربي21" بعض هذه المجموعات، التي تجد فيها من يسأل عن متجر لبيع الملابس أو الأجهزة الكهربائية أو الأدوات المكتبية يملكه "ربعاوي"، أو من يبحث عن سائق أو محام أو حتى طبيب ليتعامل معه على أن يكون من "الشعب الربعاوي" حسب تعبيره.
ولا يهتم هؤلاء كثيرا بالمقابل المادي الذي يدفعونه، ويقولون إنه حتى إذا كان أعلى من مثيلاته في المتاجر التي يملكها مؤيدون للانقلاب فلا مشكلة لديهم في ذلك.
ويقول "أحمد عبد العزيز" إنه لا يمانع في أن يدفع أموالا أكثر لتاجر "ربعاوي" للحصول على السلع أو الخدمات التي يبحث عنها، بل إنه يفعل ذلك بنفس راضية، ويحتسب ذلك عند الله عز وجل -حسب قوله- حرصا على ألّا يستفيد من هذا الربح شخص مؤيد للظلم والقتل، حتى وإن كان قريبه أو صديقه.
خسائر لمؤيدي الانقلاب
وكان التحالف الوطني لدعم الشرعية قد دعا في عدة مناسبات لمقاطعة داعمي الانقلاب اقتصاديا كأحد وسائل مقاومة الانقلاب.
ويقول أعضاء في بعض هذه المجموعات على "فيسبوك" إن حملة المقاطعة الكثير تسببت في خسائر للمتاجر التي يملكها "السيساوية" أو مؤيدون للانقلاب.
ويحكي أعضاء هذه المجموعات عن بعض المواقف الطريفة، فكثيرا ما يتم إلغاء الصفقة في آخر لحظة بعد أن يلاحظ المشتري أن صاحب المتجر مؤيد للانقلاب، من خلال آرائه وتعليقاته على الأحداث الجارية أو تعليقه لصور قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، وبعدها يحاول البائع إقناع الزبون "الربعاوي" بإتمام الصفقة، لكن دون جدوى.
ولتفادي هذه الخسائر قام كثير من المحال التجارية بتعليق لافتات "ممنوع التحدث في السياسة" أو نزعوا صور السيسي، بعد أن اكتشفوا أن الخلافات بين مؤيدي ومعارضي الانقلاب تتسبب في مشاحنات ومشكلات كثيرة.
ويروي "أحمد حسنين" أنه دخل ذات مرة ورشة لتصنيع الأبواب والنوافذ الألمونيوم في الجيزة، وبعد أن اتفق مع صاحبها على تنفيذ الأعمال المطلوبة في شقته، اكتشف عبارة تأييد للسيسي مكتوبة على أحد جدران الورشة، فاعتذر عن إكمال الصفقة بشكل مهذب وانصرف، فعرف صاحب الورشة أنه تلك العبارة تسببت في ضياع بضعة آلاف من الجنيهات منه.
ويضيف "حسنين": "بعد عدة أيام، مررت من أمام الورشة، فلاحظت أن صاحبها قام بإزالة عبارة التأييد للسيسي، حتى لا يخسر المزيد من الزبائن".
ويقول مراقبون إن الكثير من مؤيدي السيسي انقلبوا عليه خلال العامين الماضيين؛ بسبب تدهور أحوالهم الاقتصادية والاجتماعية، وبعد أن اكتشفوا أنه لم يقدم لهم ما كانوا يتوقعونه من تحسن اقتصادي واستقرار اجتماعي وأمني.
ويروي الأسطى "وجيه" لـ "عربي21"، وهو صاحب ورشة لتصنيع الأثاث في حي الهرم، كيف كان من أشد مؤيدي السيسي حتى من قبل أن يتولى رئاسة الجمهورية، قبل أن ينقلب عليه وينزع صوره من داخل ورشته الصغيرة، بعد أن تسبب انقطاع الكهرباء المتكرر العام الماضي في خسائر فادحة له.