تقول صحيفة "واشنطن بوست" في تقرير للكاتب إريك كانينغهام، إن الخلايا الجهادية في
مصر تنفذ عمليات جريئة في أنحاء البلاد كلها.
ويذكر كانينغهام أن سلسلة من العمليات النوعية، التي نفذت في أنحاء مصر كلها، أكدت التهديد المتزايد، وهو أن الجماعات الجهادية المتفرقة تتنافس فيما بينها للتأثير على التمرد الإسلامي في البلاد.
ويقول الكاتب إن المتمردين المصريين شنوا منذ حزيران/ يونيو الماضي سلسلة من التفجيرات بالسيارات المفخخة، والعمليات الانتحارية، واغتيال قادة سياسيين بارزين، وقطعوا رأس عامل نفط أجنبي؛ من أجل بث الرعب في نفوس السكان، مشيرا إلى أن الهجمات تعبر عن مرحلة مكثفة في نشاطات المتشددين منذ بداية التمرد في البلاد قبل عامين.
ويشير التقرير إلى أن التمرد ضد الحكومة في مصر لا يتكون من فصيل واحد، بل من عدة فصائل مستقلة عن بعضها البعض، ومرتبطة بتنظيمي الدولة والقاعدة، وقامت بعمليات خطيرة، بحسب خبراء الأمن. ويتوقع هؤلاء أن يؤدي التنافس بين الجماعات الجهادية إلى زيادة الهجمات.
وتورد الصحيفة أنه لوحظ أن فصيلين في مصر شنا هجمات تحت راية
تنظيم الدولة، إضافة إلى خلية جديدة تزعم أنها تعمل من داخل الحركة الجهادية في القاهرة.
ويبين كانينغهام أنه في نهاية تموز/ يوليو الماضي أعلن ضابط سابق في الجيش عن جماعته المرتبطة بتنظيم القاعدة، التي ستشن هجمات ضد الحكومة المصرية. ويتهم المسؤولون الضابط السابق في القوات الخاصة هشام
العشماوي بالتخطيط لهجومين كبيرين في حزيران/ يونيو ضد القوات المصرية، وآخر استهدف نقطة تفتيش.
ويلفت التقرير إلى أن العشماوي كان قد فصل من الجيش في منتصف عام 2000، بعد ظهور ملامح التشدد عليه. واستفاد الضابط من خبراته العسكرية في رفد خبرات المتشددين.
وتنقل الصحيفة عن الزميل الزائر في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب والمتخصص بشؤون سيناء زاك غولد، قوله: "هناك انتشار في العمليات الإرهابية جغرافيا وأيديولوجيا، وهو ما يشكل مشكلة حقيقية للبلاد".
ويضيف غولد للصحيفة: "هناك عدة تنوعات جهادية في مصر، تسير كلها في الاتجاه ذاته، ولديها الأساليب والأهداف ذاتها". محذرا من أثر التنافس بينها، الأمر الذي سيؤدي إلى "تنافس على المؤيدين والتجنيد والتمويل، وهو ما سيدفع باتجاه تنفيذ هجمات كبيرة".
وينوه الكاتب إلى تاريخ مصر الطويل مع الحركات الجهادية والمتشددة، ومن ضمنه التمرد الجهادي في التسعينيات من القرن الماضي، الذي واجهته الحكومة بالقوة. وعندما تمت الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك عام 2011، هرب قادة التمرد من السجون، أو أطلق سراحهم، فيما ذهب آخرون إلى صحراء سيناء، حيث طرد البدو الشرطة من هناك.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن الجماعات الجهادية وجدت في سيناء تربة جيدة؛ نظرا لشعور السكان بالتمييز عن بقية سكان مصر. لافتا إلى أنه في المقابل تعاملت الحكومة مع أهل سيناء بنوع من الريبة، وعاملتهم على أنهم تهديد أمني.
وتورد الصحيفة أنه عندما اندلعت التظاهرات ضد حسني مبارك، انتهز سكان شمال سيناء الفرصة، وثاروا على رجال الأمن، وطردوهم من مناطقهم. وأصبحت الصحراء الخارجة عن سيطرة الأمن المصري أرضا خصبة لتدريب الجهاديين وتهريب ونقل الأسلحة.
ويوضح كانينغهام أن هذا الأمر قد جاء في الوقت الذي لم تكن فيه لدى قادة العشائر القوة كي يتصدوا للجهاديين، وفي بعض الحالات انضم شباب القبائل إليهم. وتجمع هؤلاء أخيرا في حركة واحدة أطلق عليها اسم "أنصار بيت المقدس"، التي أطلقت على نفسها لاحقا اسم "ولاية سيناء" في "الدولة الإسلامية".
ويجد التقرير أن الانقلاب في عام 2013 والقمع الدموي للمعارضة الإسلامية هو ما دفع التمرد وأوصله إلى وضعه الحالي، وجعله يتحول إلى شكله القاتل. مشيرا إلى أن الجهاديين في سيناء قد حولوا تركيز عملياتهم ضد إسرائيل، وبدأوا يستهدفون مصر، ونفذوا عمليات قتل فيها مئات من قوات الأمن والشرطة.
وتعتقد الصحيفة أن العشماوي قد استخدم تدريبه العسكري وخبرته القتالية لمساعدة "أنصار بيت المقدس"؛ لشن أكبر الهجمات المميتة ضد الدولة في مصر. مشيرة إلى أن مسؤولين يقولون إن الجهاديين جندوا عناصر في الجيش والشرطة مخبرين من أجل تقديم معلومات لهم عن تحركات قوات الأمن.
وينقل الكاتب عن الباحث في معهد التقدم الأمريكي مختار عواد، قوله: "لم تواجه الدولة من قبل جماعات تملك هذه الحرفية والتصميم على تنفيذ هجمات".
وبحسب الصحيفة، فإن السلطات المصرية تعتقد أن العشماوي هو الذي خطط للهجوم على نقطة تفتيش تابعة للجيش المصري في 14 تموز/ يوليو في الصحراء الغربية، الذي قتل فيه 20 جنديا.
ويعلق عواد قائلا: "هذه هي المرة الأولى التي تمت فيها السيطرة على نقطة تفتيش. ومع أن السيطرة على النقطة تعد جنونا من الناحية اللوجيستية، إلا أن العشماوي كان يعرف المنطقة بشكل جيد".
ويورد التقرير أن كلا من غولد وعواد يقولان إن العشماوي انشق عن "أنصار بيت المقدس" بعد إعلان التنظيم عن انضمامه لتنظيم الدولة، وسمى نفسه "ولاية سيناء". مشيرا إلى أنه لم تعرف أسباب الانشقاق، لكن تقارير إعلامية قالت إن القرار نابع من معارضة العشماوي للطريقة القاسية التي يعامل فيها التنظيم المدنيين العراقيين والسوريين.
ويكشف كانينغهام عن أن المسؤولين المصريين يعتقدون أن العشماوي هو من أمر بتنفيذ الهجوم الفاشل على الأقصر، وهو من أمر باغتيال النائب العام هشام بركات، وذلك في حزيران/ يونيو، واستخدمت فيه سيارة مفخخة انفجرت أثناء مرور موكب بركات. وأتبع عمليات في تموز/يوليو وآب /أغسطس بهجومين على القنصلية الإيطالية ومراكز تابعة للأمن في نواحي القاهرة.
وتبين الصحيفة أنه في الوقت الذي أعلن فيه تنظيم الدولة مسؤوليته عن هذه الهجمات، إلا أن المحللين يرون أن خلايا مؤيدة للتنظيم، وتعمل في القاهرة بشكل مستقل عن التنظيم في سيناء، هي المسؤولة عنها. ويقول عواد إن خلية موالية لتنظيم الدولة ليست بحاجة للتنسيق في هجماتها مع متشددين في سيناء. وبالتأكيد يرى غولد أن فكرة نشاط تنظيم الدولة في القاهرة تؤكد الصورة عن مصر بأنها تعيش حالة حصار.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى قول عواد إن التهديد سيصبح أكبر، في حال بدأ العشماوي أو تنظيم الدولة بتجنيد أشخاص من الطبقات المحرومة، ويضيف أن ذلك "هو المقياس الحقيقي لتحول الجهاديين إلى تهديد وجودي على الدولة المصرية أم لا".