وصف الكاتب الصحفي الناصري الدكتور
عبدالحليم قنديل،
البرلمان المتوقع أن تفرزه الانتخابات المقررة بمصر في الشهرين المقبلين، بأنه "برلمان أقلية الأقلية"، وبرلمان "الواحد بالمئة".
وحذر قنديل رئيس الانقلاب عبدالفتاح
السيسي من "إمكان الانزلاق إلى غضب اجتماعي واسع، لا يصد فيه جهاز الأمن، ولا يرد، ولا يستطيع تحمل تكاليفه، ومضاعفاته، إن استمر الحال على ما هو عليه، ولم يقم الرئيس السيسي بالثورة عليه، وكنس ركامه".
وقال: "إذا لم تكن كلمة الناس نافذة، وإذا جرى تعليب البرلمانات والانتخابات، فاحذروا غضب الشوارع الذي لا يبقي، ولا يذر".
جاء ذلك في مقال لقنديل، تحت عنوان "في جنازة البرلمان"، بصحيفة "صوت الأمة" الورقية، التي يرأس تحريرها، والصادرة هذا الأسبوع.
ورجح قنديل أنه "قد تتغير الأمور للأسوأ مع الجنازة الحارة المنصوبة الآن، التي تحدثكم عن انتخابات وبرلمان".
وحذر من أن "الانتخابات" في الأغلب ستفرز برلمانا معروفا للمليارديرات والثورة المضادة، وبزعامة الفلول، وبعملية شراء أصوات محمومة لم يسبق لها مثيل، وبعزوف أغلبية الناخبين عن التصويت".
وأضاف: "وهو ما يعني أننا سنكون بصدد برلمان يمثل أقلية الأقلية، ولا يمثل سوى مصالح الذين اشتروا مقاعده، بيينما يبقى الفقراء والطبقات الوسطى، بلا تمثيل حقيقي في البرلمان، وهو ما نتوقع معه أن يعود الغضب إلى الشارع، وأن يتحول الميدان إلى برلمان الناس، لا الحراس"، على حد تعبيره.
ومعروف عن قنديل عداؤه الشديد للإخوان والإسلاميين، وتحريضه عليهم، وفي المقابل: تأييده غير المحدود للسيسي، وانقلابه العسكري.
وفي بداية مقاله، قال قنديل: "من الإنصاف أن نرى ونحتفل بالإنجازات، ولكن دون إغفال وجود تناقضات بلا نهاية في المشهد الحالي، من نوع وجود رئيس جديد يحكم بالنظام القديم ذاته، واستمرار الهيمنة المرئية لتحالف البيروقراطية المتهتكة، ومليارديرات النهب العام، وتغول القمع الأمني، وسيادة الفساد، وغياب العدالة، وتقلص الحريات العامة، وهو ما يلقي بظلاله، وأثره المباشر على حدث مهم في حياة أي بلد، وهو الانتخابات البرلمانية التي بدأت إجراءاتها أخيرا، وسط لا مبالاة منظورة من الناس، وكأنهم يسمعون عن خبر جنازة لشخص لا يعرفونه"!
وأضاف: "نقصد فوضى السلطة بالذات، فلسنا بصدد نظام تبلورت ملامحه، وفكرة السياسة غائبة بالجملة، وجماعات المصالح تتوحش، والفساد يحكم ويعظ، والأجهزة الأمنية تلعب في فراغ السياسة، وهو ما أحل فكرة "المقاولة" محل فكرة "السياسة"، وهو ما يبدو ظاهرا في صور المتدافعين إلى حلبة الانتخابات البرلمانية.
واستطرد: "ثمة قوائم تشكلها الأجهزة الأمنية، وتجلب لها إنفاقا سخيا من رجال أعمال جماعة مبارك، بينما أغلب القوائم، وكذا المستقلين عن المقاعد الفردية، كلهم تقريبا ممن يسمون اصطلاحا في
مصر بـ"الفلول"، وهؤلاء ليسوا "فلولا" بالمعنى اللغوي والسياسي بل هم "أصول"، لا فلول، ومن موارد ثلاثة ظاهرة: من جماعة البيروقراطية، والجهات الأمنية الفاسدة، ومن عائلات بالريف والصعيد على علاقة "عروة وثقى" تقليدية بالجهاز الأمني والإداري.
وواصل حديثه: "ثم - ثالثا - من جماعة "رأسمالية المحاسيب"، وقد انفتحت شهية هؤلاء في المقاولات الانتخابية الجارية، فهم يسيطرون على أغلب قنوات الإعلام التليفزيوني الخاص، وعلى أغلب الصحف والمواقع الإلكترونية، واشتروا أحزابا، وحولوا الكثير منها إلى "مكاتب تشهيلات" وبوتيكات ونوادي روتاري، ودخلوا في مزايدات مجنونة على شراء مقاعد حزب المخلوع، أو ممن لهم سوابق برلمانية في زمن التزوير بالجملة، أو ممن لديهم "العدة اللازمة" لخوض الانتخابات الفردية، التي تسود فيها دواعي المال والبلطجة والعصبيات العائلية والجهوية".
وتابع قنديل توصيفه: "منافسات الشراء تجري لأعلى سعر، في سباق محموم لا يصمد فيه سوى المليارديرات الكبار، أو من بيدهم مفاتيح المال السياسي العابر للحدود، على طريقة اغتراف مرشح رئاسي سابق من خزائن دولة خليجية معروفة، أو على طريقة تدفق أموال دولة خليجية أخرى لأحزاب من اليمين الديني، في حين يتصرف الباقون بما نهبوه وسرقوه من ثروات البلد، وجعلهم من أغنى أغنياء العالم".
وتابع: "إلى حد أن أحدهم ينفق إنفاق الذي لا يخشى الفاقة، ويعرض على المرشح الذي يشتريه مبلغ خمسة ملايين جنيه، أي عشرة أمثال الحد الأقصى للإنفاق في قانون الانتخابات، ومع حافز إضافي في صورة راتب شهري قدره 50 ألف جنيه في حالة الفوز، ولضمان الولاء، ورعاية مصالح "رأسمالية المحاسيب"، التي لم يتخذ السيسي إجراء واحدا لرد ما نهبته من ثروات إلى الآن، وإن كانت لا تستريح تماما لنوايا الرئيس، ولا لتضخم دور "رأسمالية الجيش"، التي تحرم "رأسمالية المحاسيب" من العقود والصفقات الجديدة, وهو ما يدفع الأخيرة - أي رأسمالية المحاسيب - لشراء مقاعد البرلمان، واتخاذه كأداة ضغط لتهديد، وحصار الرئيس"، وفق قوله.
وشدد الكاتب على أن "برلمان من هذا النوع لا يثير حماس الناس، ولا يهم أغلبية المصريين من الفقراء والطبقات الوسطى، الذين يشكلون غالبية المصريين بنسبة التسعين بالمئة، والذين لا يملكون من ثروة مصر إلا ربعها، بينما يملك 9% من السكان ربعا آخر، ويستأثر واحد بالمئة من السكان بنصف إجمالي الثروة".
وهو ما يعني لدى الكاتب "أننا قد نكون بصدد برلمان الواحد بالمئة، يجتذب إليه أطياف المتطلعين من نسبة التسعة بالمئة المستريحة نسبيا، وهو ما يشجع عليه نظام الانتخاب الفردي الذي جرى اختباره عمدا، برغم أن الدستور يجيز إجراء الانتخابات بالنظام النسبي، الذي يحفظ لكل صوت انتخابي وزنه التمثيلي في البرلمان، ويعبر عن آراء الناخبين بنسبة مئة بالمئة".
واستدرك: "بينما النظام الفردي يهدر غالبية أصوات الناخبين، ويحرمهم من التمثيل البرلماني، ويفرز برلمانا لا يمثل سوى أقلية الاقلية، خصوصا مع العزوف المتوقع عن التصويت لدى أغلبية الناخبين".
واستطرد قنديل بأن "الحسبة بسيطة، تخيل - مثلا - أن مئة ناخب ذهبوا للتصويت، فلا يحتاج المرشح لفوز سوى 51 صوتا، هذا إن فاز من الجولة الأولى، وهو ما لن يحدث غالبا بسبب كثرة أعداد المرشحين، فتعاد الانتخابات، وينخفض عدد المصوتين المئة إلى عشرين، ويفوز بالمقعد البرلماني من يحصل على 11 صوتا من المئة الأصلية، أي أننا سنكون بصدد برلمان يمثل عشرة بالمئة تقريبا من المصوتين".
وخلص الكاتب إلى القول: "ولو أضفت نسبة المقاطعين، وهم الأغلبية، فالنتيجة ستكون صادمة، وهي أننا سنكون بصدد برلمان انتخبه 2 بالمئة، أو حتى واحد بالمئة من الناس، وهي نسبة تقارب نسبة احتكار الثروة في مصر المنكوبة، وهو ما يفسر إحساس غالبية المصريين باللامبالاة تجاه البرلمان الجديد وانتخابه، وهو شعور جنائزي باهت، فالذين سرقوا ثرواتهم يسرقون أصواتهم وبرلمانهم، والعزة والدوام لله"، وفق قوله.