قال المحلل العسكري الإسرائيلي عاموس هرئيل، إن التدخل الروسي المتزايد في
سوريا ودعمها نظام الأسد بالسلاح والطائرات ومضادات الطائرات سيغير قواعد اللعبة بالنسبة لإسرائيل.
وأكد هرئيل في مقالته بصحيفة "هآرتس" الاثنين، أن هناك ما يشير إلى وصول تعزيزات كبيرة من المساعدات العسكرية التي تمنحها
روسيا لنظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، لدرجة الاستخدام المحتمل للطواقم الجوية والطائرات القتالية الروسية في محاولتها للحفاظ على حكم الأسد.
ونوه إلى أنه بالرغم من الجهد الروسي الذي يحظى بانتقاد هزيل من جانب الولايات المتحدة، فإن هذا يبدو في هذه اللحظة مجرد ضريبة شفوية للموقف الأمريكي الأصلي الذي طالب برحيل الأسد من الحكم. فبعد أربع سنوات ونصف من الحرب الأهلية الوحشية ورغم الضربات الشديدة التي تلقاها، يخيل أن الأسد، غير القادر حاليا على استعادة السيطرة التي فقدها في أكثر من نصف الأراضي السورية، يمكنه أن يواصل الاحتفاظ بالحكم في هذه المرحلة، من خلال المساعدات الروسية والإيرانية وفي ضوء تركيز الغرب على مكافحة تنظيم الدولة.
وأشار هرئيل إلى تقرير "النيويورك تايمز" الذي جاء فيه أن روسيا بعثت مؤخرا بإرسالية جديدة من الخبراء العسكريين إلى سوريا، وتستعد لأن يرابط نحو ألف مستشار في اللاذقية، الخطوة التي تبدو كإعداد لإقامة قاعدة عسكرية روسية في الجيب العلوي الذي بسيطرة نظام الأسد.
وأعربت الولايات المتحدة عن قلقها من التقرير، وحذر وزير خارجيتها جون كيري نظيره الروسي سيرجيه لافروف من أن الخطوة قد تؤدي إلى تصعيد إضافي في الحرب الأهلية. وفي الأسبوع الماضي أفادت وسائل إعلام مختلفة، بما فيها موقع الإنترنت الأمريكي "ديلي بست" استنادا إلى معارضين سوريين عن مجنزرات جديدة زودتها روسيا للأسد بل وعن جنود روس يشاركون ظاهرا في القتال. وفي إسرائيل أفادت "يديعوت أحرونوت" عن طائرات قتالية روسية ترابط في سوريا وتشارك في القتال.
ونوه هرئيل إلى أن صحيفة "هآرتس" أفادت، في حزيران، بأنه حسب تقدير الاستخبارات الإسرائيلية، ورغم سلسلة هزائم تكبدها النظام السوري في الأشهر الأخيرة، فإن روسيا وإيران مصممتان على ضمان بقائه. وبحسب ذاك التقدير، فإن الدولتين قررتا أن تنقلا إلى الرئيس الأسد وسائل قتالية إضافية وأن تضعا تحت تصرفه المعلومات الاستخبارية، كجزء من مكافحته لمنظمات الثوار العديدة العاملة على إسقاط حكمه.
قنوات تنسيق إيرانية روسية جديدة
وأكد أن الدولتين قد عملتا في الغالب بشكل منفرد ولكنهما مؤخرا، منذ التوقيع على الاتفاق النووي في فيينا بين
إيران والقوى العظمى الستة، في بداية حزيران، تتكاثر المؤشرات على فتح موسكو وطهران قنوات تنسيق جديدة. وقبل نحو شهر علم عن زيارة الجنرال قاسم سليمان إلى موسكو، وهو قائد جيش القدس في الحرس الثوري والمسؤول عن المساعدات الإيرانية لنظام الأسد، لحزب الله ولسلسلة منظمات إرهابية وعصابات في الشرق الأوسط. ويمكن التقدير بأن هذه كانت جزءا من مساعي التنسيق الجديدة بين الدولتين.
وأكد هرئيل أن موسكو دعمت الأسد على مدى كل سنوات الحرب. في صيف 2013 تدخلت في صالح الطاغية السوري في توقيت حرج من ناحيته، عندما خطط رئيس الولايات المتحدة براك أوباما لهجوم جوي في سوريا كعقاب على قتل أكثر من ألف مواطن في هجوم استخدم فيه السلاح الكيميائي. وبادرت روسيا في حينه في اللحظة الأخيرة بالاتفاق لحل مخزونات السلاح الكيميائي الذي لدى النظام مقابل إلغاء القصف الأمريكي. وفي السنة الأخيرة لطف أوباما وزعماء غربيون آخرون خطابهم ضد الأسد، على خلفية صعود قوة داعش والخوف من أن يؤدي إسقاط النظام إلى سيطرة منظمات سنية متطرفة على دمشق ومذبحة واسعة النطاق للمواطنين من الطوائف الموالية للحكم، وعلى رأسها الطائفة العلوية.
الأسد ينجح في تثبيت خطوطه الدفاعية
ونوه إلى أن الهجوم العسكري الذي قادته الولايات المتحدة ضد داعش في العراق وفي سوريا ساعد الأسد بشكل غير مباشر، لأنه أضعف بقدر ما أحد خصومه الأساسيين ودفع التنظيم إلى تكريس جزء هام من وقته للدفاع عن النفس، بدلا من مواصلة الهجوم على النظام بكامل القوة. والآن، عندما لا يكون الأمريكيون يعملون على إسقاطه وروسيا وإيران تزيدان الدعم له، تتعاظم الاحتمالات في أن ينجح الأسد في تثبيت خطوطه الدفاعية، رغم الخسائر الجسيمة التي تكبدها، المعنويات المتدنية في جيشه والتآكل المستمر من جانب الثوار في المناطق التي احتفظ بها النظام.
وأوضح هرئيل، منذ سنوات عديدة وإسرائيل لا تؤيد حقا إسقاط نظام الأسد، بل معنية باستمرار الوضع القائم وببقاء نظام الأسد ضعيف يسيطر فقط في "سوريا الصغرى"، أقل من نصف المساحة الأصلية للدولة. ومع ذلك، فإن التطورات الجديدة لا تشجع من ناحيتها. فحسب منشورات ثابتة في وسائل الإعلام الأجنبية، لم تعد إسرائيل تتكبد عناء الرد عليها، يهاجم سلاح الجو مرة كل بضعة أشهر قوافل سلاح تنقل وسائل قتالية من سوريا حتى حزب الله في لبنان. وأعمال القصف المنسوبة لإسرائيل، والموجهة لمنع تزود حزب الله بأسلحة حديثة، تتم تقريبا بلا عراقيل بسبب ضعف سلاح الجو السوري والقدرات المحدودة نسبيا لمنظومات الدفاع الجوي لدى سوريا وحزب الله.
واستدرك بالقول، إنه إذا كانت روسيا بالفعل تنشر طائرات قتالية وتقيم قاعدة جديدة في سوريا، فسيتعين على إسرائيل أن تواجه قيدا من نوع آخر جدا، ولا سيما إذا ما انضمت إلى الطائرات منظومات من الصواريخ الروسية المضادة للطائرات.
وأشار إلى أنه في السنوات الأخيرة جرى حديث غير قليل عن المعركة التي بين المعارك، النشاط العسكري والاستخباري بمنسوب متدن هدفه منع تعاظم قوة منظمات الإرهاب في المنطقة وإبعاد خطر الحرب التالية. أما دخول روسيا إلى الساحة السورية فسيغير قواعد اللعب.
واستذكر هرئيل مرحلة بداية السبعينيات، عندما بعث الاتحاد السوفييتي بمستشارين إلى مصر وسوريا، حيث أقيمت على عجل في وحدة جمع المعلومات المركزية في شعبة الاستخبارات العسكرية (المعروفة اليوم بوحدة 8200) دائرة تسمى "مسرغه" تابعت بالتنصت للنشاط الروسي في المنطقة.. مشددا على أنه ومع أن علاقات إسرائيل وروسيا تحسنت في العقود التي انقضت منذئذ، إلا أن التواجد العسكري المتزايد للروس في المنطقة كفيل بأن يلزم في المستقبل أسرة الاستخبارات الإسرائيلية ببذل جهود أكبر في هذا الاتجاه أيضا.