نشر "
معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى" مقالا ناقش تبعات التواجد العسكري الروسي في
سوريا، بعد انتشار تقارير إعلامية أظهرت وجود جنود وضباط وطيارين لها على الأرض السورية.
وأفادت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أنه "وفقا لمحللي الاستخبارات الأمريكيين، أرسلت
روسيا فريقا عسكريا متقدّما إلى سوريا، ونقلت وحدات سكنية جاهزة لمئات من الناس إلى مطار بالقرب من اللاذقية"، مضيفة أن "روسيا سلمت أيضا محطة محمولة لمراقبة الحركة الجوية إلى المطار، وقدّمت طلبات للتحليق العسكري حتى شهر أيلول/ سبتمبر"، في حين انتشرت ادعاءات مماثلة في الأسابيع الأخيرة، من بينها تقارير عن أسلحة جديدة، وحتى قوات قتالية، بالإضافة لتصريحات مسؤولين عسكريين أمريكيين الثلاثاء مفادها بأنّ موسكو نقلت طاقما جديدا من العسكريين، بالإضافة إلى طائرات ومعدات جديدة إلى سوريا في الأيام الأخيرة.
واعتبر المعهد أن التدخل الروسي في المنطقة يمثل عودة جديدة لها، بعد أمر الرئيس المصري أنور السادات، في تموز/ يوليو 1972، للقوات السوفياتية بالانسحاب من مصر، مشيرا بذلك إلى نهاية تدخل موسكو العسكري الخطير في المنطقة"، لتعود الآن، بعد مرور 43 عاما، إلى الشرق الأوسط.
وفي المقال الذي نشره الباحثان: مايكل سينغ، المدير الإداري للمعهد، وجيفري وايت، زميل الشؤون الدفاعية والمتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية لدول المشرق العربي وإيران، تابع المعهد بأن "انخراط موسكو المكثف في النزاع في سوريا ليس بالأمر الجديد، فالروابط الروسية العسكرية مع نظام الأسد تعود لعدة سنوات مضت، قام خلالها الاتحاد السوفياتي، ثم روسيا، بتشغيل قاعدة بحرية في طرطوس لفترة طويلة، كما زوّدت موسكو الأسد بما وصفه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخرا بكميات "كبيرة" من المعدات العسكرية والتدريب العسكري اللازمة لمتابعة الحرب الأهلية في البلاد".
وتضطلع موسكو بدور دبلوماسي بارز في النزاع السوري، بحسب المعهد، فهي تحمي نظام الأسد من الضغوط التي تُمارس عليه عبر استعمال حقّ الفيتو ضد عدد من قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن الصراع، كما أصبحت همزة وصل في النشاط الدبلوماسي الرامي إلى إنهاء القتال، واستضافت أيضا محفلا من المسؤولين الغربيين والشرق أوسطيين، بمن فيهم كل من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، والجنرال الإيراني قاسم سليماني، فضلا عن جولتين من المباحثات متعددة الأطراف، على حد تعبير الباحثين.
لماذا؟
وأوضح المعهد أن الهدف المباشر للسياسة الروسية هو "حماية نظام الأسد" الذي كان على مدى عقود حليفا لموسكو، وأصبح في السنوات الأخيرة واحدا من آخر القنوات المتبقية للنفوذ الروسي في الشرق الأوسط، مشيرا إلى انتقاد بوتين للنظام السوري، واعترافه بالحاجة إلى "عملية تغيير سياسي"، لكنّه أصرّ على رفض سحب دعمه للأسد أو الإشارة إلى أنه يجب أن يتم استبداله كجزء من أي عملية انتقال سياسي، كما تسمح الأسلحة والذخائر وقطع الغيار الروسية لآلة الحرب الأسدية بالاستمرار في صبّ نار حممها، بحسب تعبير المعهد.
وتواجه معاقل النظام السوري ضغوطا متزايدة في الأشهر الأخيرة من قبل قوات الثوار، وهو ما ساهم على الأرجح ببلورة قرار موسكو بتكثيف دعمها، في إشارة إلى عمق التزام موسكو بدعم النظام، ما يُضعف بالتالي أي أمل في تحقيق نصر عسكري، ويحفّزهم أكثر وأكثر على القبول بحلّ يستند إلى شروط مفضلة لروسيا والرئيس الأسد.
وقال الباحثان إن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكد أن المساعدات الروسية إلى سوريا هي جزء من محاولة لمحاربة "التطرف والإرهاب"، مشيرين إلى أن المساعدات الروسية لدمشق سبقت بروز تنظيم الدولة أو جبهة النصرة، وتضع موسكو على طرفَي نقيض، ليس فقط مع الإسلاميين، بل مع المعارضة السورية برمّتها أيضا، مؤكدين أنّ النظام السوري، وبدعم من روسيا، استهدف المدنيين دون تمييز، ملحِقا بالشعب السوري خسائر بشرية هائلة، ومؤجّجا على الأرجح نار الحركة الجهادية المتنامية بدلا من إخمادها.
أهداف أوسع
ومع ذلك، فلهذه المناورة الروسية أهداف أوسع على الأرجح، بحسب الباحثين، فانخراط القوات الروسية إلى جانب النظام قد يعقّد أيّ عمل عسكري أمريكي ضدّ الأسد، بما في ذلك فرض منطقة حظر جوي، وكما هو الحال في صفقة البيع الوشيكة لنظام الدفاع الجوي المكوّن من صواريخ "أس-300" المتطوّرة إلى إيران، تضطلع هذه الخطوة الروسية بتأثير لا يتمثّل بتعزيز النفوذ الروسي فحسب، بل بالحدّ من خيارات الولايات المتحدة ونفوذها أيضا، في وقت قد تعتبر فيه موسكو أنّه من غير المرجح أن تردّ واشنطن بشكل حاد.
وأخيرا، من شأن التدخل العسكري الروسي المباشر أن يتّسق مع النمط السلوكي الانتقامي الذي انتهجته موسكو في الآونة الأخيرة على الصعيد العالمي. وقد تحدّث السيد بوتين عن استعادة مجد روسيا الغابر، ووفى بوعده بتحقيق تأملاته في جورجيا وشبه جزيرة القرم وأوكرانيا، فضلا عن اعتماد سلاحي الجو والبحرية الروسية سلوكا عدوانيا على نحو متزايد في جميع أنحاء العالم، وهو الأمر ذاته بالنسبة لتعزيز الانخراط في الشرق الأوسط، حيث إن هذا التدخلّ قد يحاكي ماضي روسيا أيضا، بحسب تعبير سينغ ووايت.
التبعات
واعتبر المقال أن تعزيز الدعم العسكري الروسي في سوريا سيكون "بمثابة اقتراح يعود بالخسارة على الولايات المتحدة وروسيا"، موضحا أن "هذا يعقد إلى حد كبير أيّ ضغط عسكري كانت الولايات المتحدة تنظر في فرضه على النظام السوري، ويمنح الأسد ثقة متجددة من شأنها أن تجعل أيّ تسوية دبلوماسية -مقبولة لدى الولايات المتحدة والمعارضة السورية- أبعد منالا".
وتابعت بالقول إن هذا سيضع روسيا مع حليف ضعيف ومحتاج، مع "استعدائها قوى إقليمية مثل إسرائيل والمملكة العربية السعودية"، كما سيكون "الوجود الروسي المتزايد ذاته هدفا للمعارضة السورية مع ما يترتّب على ذلك من ضحايا روسية"، ما يجعل هذه الخطوة تذكيرا بالسبب الذي أدى لتلاشي الأمجاد الروسية في الماضي، بدل التذكير بها، بحسب تعبير الباحثين.