نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لمدير مركز الدراسات الروسية في جمعية هنري جاكسون أندرو فوكسال، قال فيه إن
سوريا يتم تدميرها، فبعد أكثر من أربع سنوات من الحرب الأهلية تعيش البلاد دمارا واسعا، حيث يسيطر
تنظيم الدولة الوحشي على مناطق واسعة في الشمال والشرق، ويحكم نظام
الأسد البربري قبضته على دمشق.
ويشير التقرير إلى أنه ليست هناك خيارات جيدة أمام القوى الغربية، أمريكا وأوروبا، في حربها ضد تنظيم الدولة، ولا تستطيع الوقوف مكتوفة الأيدي. وأمامها خياران؛ إما التعاون مع نظام الأسد لمحاربة الجهاديين، أو إهمال وجود النظام والقيام بعمل عسكري لهزيمة الجهاديين. مستدركا بأنه إلى الآن فإن الحملة الجوية الأمريكية لم تحقق نجاحا في وقف تقدم تنظيم الدولة.
ويرى الكاتب أن هذا الخيار الصعب هو نتيجة فشل السياسة الغربية. مشيرا إلى أن أكثر شخص يدرك هذا الأمر هو الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين، ففي 4 أيلول/ سبتمبر، أعلن بوتين أن
روسيا كانت تقدم المساعدات العسكرية لدمشق لتحارب تنظيم الدولة، وهو دعم تم تكثيفه مؤخرا. كما أنه دعا "إلى تحالف دولي لمحاربة الإرهاب والتطرف".
وتجد الصحيفة أن هذا يتماشى مع سياسة موسكو تجاه سوريا، التي كانت متسقة منذ 2010، وهي: عرقلة أي تحركات مدعومة أمريكيا للإطاحة بالأسد، وبدلا من ذلك إجبار الغرب على قبوله شريكا.
ويلفت التقرير إلى أن القوى الغربية عزلت روسيا بسبب تدخلها في أوكرانيا، ولكنها الآن تطرح نفسها كونها منقذا وشريكا لا يمكن الاستغناء عنه في الحرب ضد التطرف الإسلامي.
ويقول فوكسال: "قد مررنا بهذه الحالة أيضا بعد هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، حيث كان بوتين أول زعيم في العالم يتصل بجورج بوش الابن. وبعد ذلك بأيام وعد بوتين بأن تدعم روسيا التحالف الذي قادته أمريكا ضد طالبان في أفغانستان، ودعا الآخرين إلى الانضمام لمحاربة الإرهاب الدولي".
وتذكر الصحيفة أن قضية "الإرهاب الإسلامي" قريبة من قلب بوتين، فهي التي ساعدته على اعتلاء سدة الحكم في الأصل، فعلى مدى عدة أسابيع في شهر أيلول/ سبتمبر 1999، تسبب عدد من التفجيرات بتدمير أربع بنايات سكنية في موسكو ومدينتين أخريين، ومات فيها حوالي 300 شخص وجرح المئات.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه قد تم اتهام الإرهابيين الإسلاميين القادمين من الشيشان بالهجمات، وتقبل الشعب الروسي الحرب الثانية في الشيشان، وبعد أشهر من الغزو تم انتخاب رئيس الوزراء المعين حديثا، الذي لم يسمع به الكثير رئيسا للبلاد.
ويستدرك الكاتب بأن هناك شكوكا حول الرواية الرسمية للأحداث، ويقول الناقدون إن هناك أدلة تشير إلى أن تفجيرات البنايات السكنية قام بها مكتب الأمن الفيدرالي الروسي، أو على الأقل فقد أدى المكتب دورا في تلك التفجيرات.
وتوضح الصحيفة أنه بعد أقل من أسبوع من التفجير الرابع، تم العثور على قنبلة خامسة في الطابق السفلي لبناية أخرى في مدينة روسية أخرى. وتم تفكيك القنبلة قبل أن تنفجر، وتم التعرف على من قاموا بزرع القنبلة واعتقالهم، ولم يكونوا "إرهابيين من الشيشان"، بل كانوا عملاء لمكتب الأمن الفيدرالي. ورفض بوتين نفسه، الذي شغل منصب رئيس المكتب سابقا، مقولة إن التفجيرات قامت بها الحكومة.
ويجد التقرير أنه بالرغم من هذا، فإن الشكوك بأن موسكو تتلاعب بموضوع الإرهاب لخدمة مصالحها ظهرت ثانية، فقد نشرت صحيفة "نوفايا غازيت"، وهي إحدى الصحف المستقلة المتبقية في روسيا في تموز/ يوليو، خبرا مفاده أن مكتب الأمن الفيدرالي يدير تدفق الجهاديين من شمال القوقاز إلى سوريا، حيث انضم كثير منهم إلى تنظيم الدولة. وأظهر التحقيق الذي أجرته الصحيفة أن المكتب أنشأ "ممرا أخضر" يسمح للجهاديين بالسفر عن طريق تركيا؛ لأن موسكو تفضل أن يقاتل هؤلاء الجهاديون في سوريا بدلا من روسيا.
ويتساءل فوكسال: "هل هذه هي قيادة الجهود الدولية ضد الإرهاب؟"، مستدركا بأنه رغم هذا، فقد صرح الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأنه "متشجع"؛ بسبب اتصال من بوتين لمناقشة أزمة سوريا، وأضاف أن هذا "يعطينا فرصة ليكون بيننا نقاش جاد". ويحذر الكاتب بأنه يجب ألا ينخدع أوباما.
وتنوه الصحيفة إلى أن خطة بوتين الرئيسة في سوريا، التي سوقها وزير خارجيته سيرجي لافروف، واضحة، وهي: أن تنضم البلاد الغربية والعربية، التي تشكل التحالف الحالي لمحاربة تنظيم الدولة في تحالف مع إيران والأسد والأكراد وحزب الله وروسيا. ويقوم هذا التحالف الجديد بالحصول على تكليف رسمي من مجلس الأمن لمحاربة الجهاديين.
ويبين التقرير أن روسيا ستقوم عندها بإحضار الأسد إلى طاولة التفاوض، ويتم هناك انتقال سياسي يحافظ على نظامه، مشيرا إلى أنه من المزمع أن يلقي بوتين خطابا عن خطته هذا الشهر في الجمعية العمومية للأمم المتحدة.
ويذهب الكاتب إلى أن بوتين يأمل من خلال خطته، بأن يحسن صورته في الغرب، كما فعل بعد الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر 2001. حيث أقنع وقتها الغرب بأن ما يواجهه الغرب في أفغانستان هو ذاته ما تواجهه روسيا في الشيشان. وهكذا استطاع بوتين التقليل من الانتقادات الغربية للوحشية الروسية في الشيشان.
ويورد التقرير أن الكرملين ينظر إلى الحماس الغربي للتعاون على أنه ضعف، ما جعل بوتين يعتقد أنه يستطيع التصرف كما يشاء في روسيا دون محاسبة، وهذا الاعتقاد هو السائد الآن، ولكن الأمر لا يتوقف عند حدود روسيا فقط.
وترى الصحيفة أنه إذا حصل اتفاق حول سوريا، فإنه سيتم تناسي أوكرانيا، وهذا سيقوض المقاطعة الغربية المتعلقة بأوكرانيا، ويعطي بوتين اعترافا ضمنيا بضمه القرم وشرق أوكرانيا.
ويشير فوكسال إلى أنه بهذا تكون روسيا قد انتصرت على النظام العالمي الجديد، الذي فرضه الغرب بعد انتهاء الحرب الباردة. وسيرى أعداء أمريكا من الصين إلى إيران هذا، كونه دعوة إلى إعادة تعريف علاقاتها بواشنطن.
ويدعو التقرير الغرب إلى دراسة الخيارات كلها في سوريا، بما في ذلك التحالف مع روسيا ضد تنظيم الدولة، مستدركا بأنه إذا كان هذا هو الخيار، فإنه يجب على الغرب أن يشك في إمكانية الثقة ببوتين، وأن يشك في مصداقية أي معلومات استخباراتية تقدمها روسيا، أو أن الكرملين قادر على التفاوض للتوصل إلى حل دبلوماسي في سوريا، يكون مقبولا من الغرب أو من حلفائهم العرب.
وتختم "نيويرك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن جورجيا وأوكرانيا قد أبرزتا ماذا يحدث عندما لا يمنع الغرب دبلوماسية روسيا القسرية. وتقول إنه يجب ألا نسمح لبوتين بأن يحدد شروط التعاون؛ لأن فعل ذلك ينذر بتكرار أخطاء الماضي.