ذكرت صحيفة "أوبزيرفر" أن الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين، يحاول لعب دور عالمي على الساحة الدولية، في وقت دخلت فيه قواته إلى
سوريا.
ويشير التقرير إلى أن نشر القوات الروسية في سوريا لا يهدف إلى إعادة رسم مسار الحرب الأهلية في سوريا فقط، ولكن موقع
روسيا على المسرح الدولي. فقد عانت روسيا من العزلة لمدة سنوات طويلة؛ بسبب العقوبات التي ضربت البلد نتيجة لقرار ضم جزيرة القرم، والدعم الذي قدمته للانفصاليين في شرق أوكرانيا.
وتذكر الصحيفة أنه من خلال مضاعفة دعم بوتين للنظام السوري المحاصر، فقد أرسل رسالة بأنه لن يكون هناك حل للأزمة السورية دون موسكو.
وينقل التقرير عن المحلل العسكري ونائب محرر موقع تعرض للرقابة بعد ساعات من ضم القرم، ألكسندر غولتز، قوله إن "بوتين والكرملين لديهما هدف واضح، وهو رفع العزلة الدولية بسبب أوكرانيا". وأضاف "فكرة تحالف دولي ضد
تنظيم الدولة تبدو كجسر للخروج من العزلة، وعلى ما يبدو أنها نجحت".
وتلفت الصحيفة إلى أن الصور الفضائية، التي كشفت عن تحركات عسكرية روسية في قاعدة جوية في اللاذقية الأسبوع الماضي، لا تهدف في الحقيقة إلى استعراض العضلات، ولكنها محاولة لحماية
القاعدة العسكرية الوحيدة لها على البحر المتوسط، ومنع تغيير للنظام في دمشق، الذي يعمل الغرب عليه، وتعبر أيضا عن مخاوف من تصاعد الراديكالية في المناطق المسلمة في الفيدرالية الروسية.
ويورد التقرير أنه من خلال إرسال الآلاف من القوات إلى القواعد المحمية بشكل جيد، التي ستقوم بتدريب القوات السورية لا المشاركة في العمليات القتالية، فقد قام بوتين بكسر العزلة الدولية، وعزز مطالب روسيا في الحضور في منطقة الشرق الأوسط، وأكد أنه لا حل لهذه الأزمة أو أي أزمة دولية دون روسيا.
وتقول الصحيفة إن بوتين عندما كان يحضر إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة في السنوات الماضية، كان ينظر إليه على أنه منبوذ دولي. أما الآن فسيلتقي مع الرئيس باراك أوباما، والكل ينتظره لتقديم الرؤية الروسية حول حل الأزمة السورية.
وينقل التقرير عن المدير الدولي للمعهد الملكي للدراسات المتحدة جوناثان إيال، قوله: "هدف روسيا هو تأكيد دورها الرئيس في التعامل مع أي أزمة دولية"، ويضيف أنه "دون سوريا، فإن الرجل المعروف بعدوانه في أوكرانيا، عليه أن يقف الآن ويعرف عن نفسه، ويبدو أن الجميع نسي ما حدث في أوكرانيا، وسيستمعون لكل كلمة سيقولها، وهو تحول كبير".
وتبين الصحيفة أن ثمن هذا التحول كله هو نشر حوالي ألفي جندي في القاعدة العسكرية في سوريا، إضافة إلى 24 مقاتلة حربية ومدرعات ومروحيات ومضادات للطائرات. وأخبر جندي موقع الأخبار "غازيتا" أن 1700 جندي موجودون الآن في القاعدة البحرية في طرطوس، التي تقوم بإعادة تجديد المرسى.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن البعض في الغرب عبر عن قلقه من الحشد العسكري، حيث عبر وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون عن قلقه قائلا إن الحشود "لن تؤدي إلا إلى تعقيد وضع معقد وصعب". وقال نظيره الأمريكي أشتون كارتر إن القتال دون العمل لحل سياسي لن يكون سوى "صب الزيت" على النزاع.
وتجد الصحيفة أن ما جعل من النموذج الروسي عن سياسة الأمر الواقع مقبولة، هو كون السياسة الغربية تجاه سوريا في حالة من الفوضى، وحولت هذه السياسة بالضرورة رئيس النظام السوري بشار
الأسد إلى ورقة رابحة. ففي أوروبا طالب عدد من قادتها برحيله، واليوم يرون أن الأسد هو آخر ضوء أمل للبلد، ويمكنه تقديم نوع من الأمل للبلد.
ويوضح التقرير أن الخطة الأمريكية لتدريب قوات للمعارضة السورية كي تكون جاهزة لمواجهة تنظيم الدولة انهارت وتفككت، وعدد المقاتلين لا يتعدى أصابع اليد، وسلموا أسلحتهم لتنظيم القاعدة، مشيرا إلى أن القوى التي تمثل تحديا جادا للنظام السوري هي إسلامية، وبعضها له علاقة مع تنظيم القاعدة، ما يجعل من الصعوبة التعامل معها على أنها حليف. وفي غياب حل للأزمة السورية تقدم روسيا الأسد باعتباره الأمل الوحيد الذي يمكنه تحقيق الاستقرار.
وترى الصحيفة أن تعزيز قوة الأسد لن يؤدي إلى حل مظهري القلق الأوروبي وهما: تنظيم الدولة وتدفق اللاجئين. فقد ركز الأسد معركته على حرب الجماعات المعتدلة، تاركا تنظيم الدولة للدول الغربية والمليشيات الكردية. موضحة أن معظم اللاجئين لا يهربون من مناطق تنظيم الدولة، فعدد القتلى الضحايا، وإن لم يكن دقيقا، يشير إلى أن معظمهم قتل بسبب البراميل المتفجرة التي يرسلها الأسد على المناطق المدنية.
ويجد التقرير أن الحل الأوسع للمشكلة السورية، الذي يرغبه النظام السوري، قد لا يكون ضمن قدرة روسيا. فلا يوجد هناك ما يدل على أن روسيا لديها فهم أفضل للوضع المعقد، الذي فيه مجموعة كبيرة من الفصائل، مما هو متوفر لدى صناع السياسة الغربيين.
وتقول الصحيفة إنه لا توجد هناك لدى الروس قيادة عسكرية أو رأي عام لتدخل عسكري على قاعدة واسعة، أي قتال القوات الروسية إلى جانب القوات السورية. فالحروب التي قادتها الولايات المتحدة في العقد الماضي، جعلت الدول الغربية تتردد في نشر قوات برية لمحاربة تنظيم الدولة، أو وقف حمام الدم في سوريا. ولدى روسيا ذكريات مرة عندما تدخلت في أفغانستان نهاية القرن الماضي.
ويذهب التقرير إلى أنه مع تزايد عدد القتلى الروس في هذه الحرب، فإن العديد من الخبراء يرون أنها أسهمت في انهيار الاتحاد السوفييتي، وهي حرب لم ينسها الروس. لافتا إلى أنه في ضوء الخطط الروسية الحالية، رفض عدد من الجنود الروس الذهاب إلى سوريا، بحسب ما أوردت صحيفة "غازيتا. أر يو" الأسبوع الماضي. وبحسب محاميهم إيفان بافلوف، فإن الجنود يتعرضون لضغوط من السلطات.
وتشير الصحيفة إلى أن النائب الليبرالي المعارض ديمتري غادكوف قد أرسل رسالة إلى وزارة الدفاع يطلب فيها توضيحات حول الحشد في سوريا. وجاءته إجابة بوجود هذه القوات هناك، لكنها لا تشارك في القتال. ونقلت "أوبزيرفر" عنه قوله: "لا أعرف إن تحولت سوريا إلى أفغانستان ثانية، وآمل ألا يحدث ذلك"، وأضاف: "في الوقت الحالي يبدو أنهم يقوون من موقعهم التفاوضي".
ويكشف التقرير عن أن هناك مخاوف في روسيا من تزايد تأثير الإسلاميين في المناطق المسلمة في روسيا والدول الجارة. وهناك ما يقرب عدده من 2400 متطوع من الروس يقاتلون إلى جانب تنظيم الدولة. ويقول المحلل في "تشاتام هاوس" في لندن نيكولاي كوتشنوف: "هناك قلق من المتحدثين بالروسية ممن انضموا للجماعات المتشددة"، ويضيف: "قد يجادل البعض فيما إن كانوا يشكلون تهديدا، ولكن بالنسبة للكرملين فالجواب بسيط، نعم إنهم يشكلون تهديدا".
وتورد الصحيفة أنه بالنسبة للقاعدة البحرية التي يقوم الروس بتوسيعها في طرطوس، وهي موقع مهم لهم على البحر المتوسط، تحاول روسيا توسيع حضورها في المنطقة. وتبنت موسكو "عقيدة" بحرية جديدة، وهي "تأكيد حضور دائم وكاف هناك". وقد يخدم الوجود الروسي العسكري في المنطقة موسكو من ناحية تجارية، وسط تراجع أسعار النفط، وزيادة صادراتها الرئيسة، وهي السلاح والتكنولوجيا النووية، وتعد إيران زبونا رئيسا للسلاح الروسي.
ويذكر التقرير أن موسكو قد عقدت مناقشات مع قادة عدد من الدول الأخرى مثل السعودية ومصر. ويقول الأستاذ في المعهد العالي للاقتصاد ليونيد إيسايف إن "الحكومة فهمت أن عليها أداء دور في المنطقة غير دور الوسيط"، مشيرا إلى أن التوصل إلى الاتفاق النووي قلل من الدور الروسي كونه وسيطا بينها وبين الغرب.
وتختم "أوبزيرفر" تقريرها بالإشارة إلى أن بوتين حقق في الوقت الحالي عددا من الإنجازات المهمة، وإن كانت متواضعة، ولكن إن استمرت سلطة الأسد بالتراجع. فستواجه روسيا خيارات غير مريحة، إما التخلي عن الديكتاتور السوري أو تقديم تضحيات صعبة.