كتب ديفيد غاردنر في صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا يقول فيه إن الحديث عن المخاطرة في
الشرق الأوسط عادة ما يصل إلى السؤال الآتي: هل ممكن أن يصبح الوضع أسوأ مما هو عليه؟ ويجد أن الجواب في معظم الأحيان كما هو الآن: نعم إنه قد يسوء أكثر.
ويضيف الكاتب أن الحرب الأهلية في
سوريا مثلا تسببت بمقتل ما يقدر بـ 300 ألف إنسان، وتشريد أكثر من نصف الشعب، وتقسيم البلاد، وهي أبعد ما تكون عن الانتهاء، كما أن الجارة العراق تتمزق أيضا تحت وطأة التوتر الطائفي.
ويشير التقرير إلى أن الاتفاقية بين
إيران والولايات المتحدة ومعها خمس قوى دولية أخرى، التي تقايض قيودا قابلة للتأكد منها على البرنامج النووي الإيراني، مقابل رفع العقوبات عن
الاقتصاد الإيراني، قد تحدث تحولات.
وتبين الصحيفة أنه لم يكن هناك بديل عن هذا الحل الدبلوماسي سوى حرب ستكون هي الأكبر على مستوى المنطقة، ولكن ذلك في منطقة هي غارقة في التمزق؛ بسبب الصراع بين السنة والشيعة، حيث تقود كل من إيران والسعودية المعركة بالنيابة عن جانبيهما المختلفين منذ قرون. والأكثر من هذا فإن
تنظيم الدولة يزعج الجانبين، مستغلا مظالم السنة وفشل الدولة المستمر.
ويلفت غاردنر إلى أن تنظيم الدولة دخل إلى العراق من سوريا عام 2014، وأعلن الخلافة في البلدين، ثم مضى يحكم ويجتاج بعنف لا محدود. مشيرا إلى أن تهديده أكبر من تهديد تنظيم القاعدة، الذي أنشأ التنظيم السابق لتنظيم الدولة بعد غزو أمريكا للعراق.
ويذكر التقرير أن التنظيم ممول ذاتيا، ويسيطر على ثلث العراق ونصف سوريا تقريبا، حيث يشكل ضباط عراقيون سابقون العمود الفقري الإداري له. لافتا إلى أنه بربري ومنظم وحاذق في إيجاد تصدعات في البلدان المجاورة، مثل لبنان وتركيا والأردن والسعودية. ولم تحقق الحملة الجوية التي تقودها الولايات المتحدة ضده سوى نجاح جزئي، ولكنها فشلت إلى الآن في الحد من تعزيز وضعه.
وتجد الصحيفة أن الحلفاء التقليديين لأمريكا والغرب في المنطقة في حالة من الفوضى، فالسعودية وحلفاؤها السنة، إضافة إلى إسرائيل، قلقون من أن إيران إن رفعت عنها العقوبات، وأطلقت أموالها المجمدة في الغرب، وزاد دخلها من النفط والغاز، ستزيد من جهودها لمد سيطرتها على نطاق أوسع في العالم العربي.
ويورد الكاتب أن الغزو الأمريكي للعراق أقام حكومة شيعية هناك، وشاهد السنة كيف قامت إيران ووكلاؤها ببناء محور شيعي يمر عبر الشام من بغداد إلى بيروت، ويمتد إلى الخليج. مشيرا إلى أن أوباما قد نصح الحكام العرب بأن يقللوا من شكواهم من إيران، وينتبهوا إلى هشاشة حالهم محليا.
ويوضح التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، أن السعودية، التي كانت ردة فعلها لثورات الربيع العربي بأن صرفت الأموال لمواطنيها وأصدقائها، بدلا من القيام بإصلاحات، لديها زعامة جديدة لا تملك الخبرة تحت قيادة الملك سلمان. ويقوي الحكم الملكي المطلق هناك وضع المؤسسة الدينية الوهابية، التي تشبه في معتقداتها المتطرفة، خاصة تجاه الشيعة، معتقدات تنظيم الدولة.
وبحسب الصحيفة فإن تركيا، حيث يدعو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يزيد استبداده، إلى حالة من الاضطرابات بسعيه للحصول على سلطات غير مقيدة للرئيس، تواجه خطر ردة فعل من تنظيم الدولة، الذي سمح له ولغيره من مجموعات الثوار الإسلامية حتى هذا العام، باستخدام الحدود التركية معبرا للإمداد بالجهاديين لمحاربة نظام الأسد. لافتة إلى أنه يمكن أ تتبع تفجيرات حزيران/ يونيو وتموز/ يوليو، ضد أهداف كردية، هجمات انتقامية إن أوفت أنقرة بوعدها بمساعدة الناتو في حربه ضد الجهاديين في سوريا.
ويذهب غاردنر إلى أن مصر، تحت حكم عبد الفتاح السيسي، قائد الجيش، الذي أطاح بحكومة منتخبة من الإخوان المسلمين عام 2013، ثم تم انتخابه رئيسا، غارقة في المشكلات المحلية إلى درجة لا تستطيع معها أداء دورها التقليدي في قيادة العالم العربي.
ويجد التقرير أن اللافت للنظر أن الأردن، الذي عادة ما ينظر له على أنه دولة هشة بسبب الأكثرية السكانية التي يشكلها الفلسطينيون فيه، فإنه ينظر إليه الآن على أنه بلد ثابت كالصخر في منطقة تعاني من الانهيارات.
وترى الصحيفة أن المنطقة بشكل عام تعاني من نقص خطير في الزعامة السنية المعتدلة، وتشويه سمعة الحكومة الإسلامية من التيار الرئيسي (في مصر والآن في تركيا)، والأثر الضعيف للفاعلين الخارجيين التقليديين، مثل أمريكا وأوروبا، الذي بدأ يقوى الآن بسبب استعراض روسيا لعضلاتها في سوريا.
ويعتقد الكاتب أن هذا قد يشجع إيران، التي تدعم الأسد، كما تفعل روسيا، للسعي إلى تحقيق مكاسب. ولكن روسيا لم تؤد سوى دور المعطل في الشرق الأوسط، وتعلم إيران أن السنة أكبر عددا بكثير من الشيعة، وقد تحاول تحقيق مكاسبها قبل فوات الأوان، وأكثر ما تحتاج له إيران هو السيولة المالية.
ويفيد التقرير بأن الطريقة التي تعاملت بها إيران مع مفاوضات النووي توحي ببراغماتية تسعى إلى تحقيق المصالح للبلد، فهي بحاجة إلى شرعنة موقعها، كونها قوة إقليمية يمكن لجيرانها التعايش معها، كما تحتاج إلى إعادة الاتصال بالاقتصاد العالمي؛ لتستطيع توفير فرص لشبابها المتعلمين والغاضبين.
وترى الصحيفة أنه إذا كان بإمكان المجتمع الدولي تحويل الانفراج في نووي إيران إلى وفاق مع جيرانها، أو ما سماه الرئيس أوباما "حوارا عمليا"، تساعد فيه إيران مثلا على تحقيق تحول في الحرب الأهلية السورية، فإنه يمكن لدول الخليج تقديم بعض التمويل الذي تحتاجه طهران.
ويورد غاردنر أن اختصاصي الاقتصاد الكبير، الذي عمل سابقا في المركز الدولي للتمويل في دبي ناصر سعيدي، يقدر بأن حاجة إيران الاستثمارية غير المتوفرة على مدى الخمس سنوات القادمة، تصل إلى 850 مليار دولار.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن إيران تحتاج إلى المساعدة في تمويل الكثير من السلع الرأسمالية، من طائرات إلى بنية تحتيه للغاز. لافتة إلى أنه يمكن للإمارات، بحجم صناديقها السيادية ونسبة التجار الإيرانيين في دبي، تحقيق أرباح جيدة.