الصندوق الأسود الذي فتحته قناة الجزيرة هو "أبيض" من ناحية تأكيده على مسلمات لدى الفرد العراقي وهو يشاهد حصيلة مؤامرة مدتها الفعلية ثمان سنوات تزيد ولا تنقص.
سيرة حافلة بالإجرام، في الداخل والخارج، بأدوات محلية وإقليمية، راح ضحيتها مئات الآلاف من الأبرياء، فوق جمع لا يستهان به من كفاءات في مجال العلم التخصصي، والطيارين الذي وصل عددهم الثمانين.
الحقيقة هذه المرة بتوقيتها تكشف عن (مفاصلة) بين إيران الراعية، والمالكي المرعي بعد سنوات عسل حقق فيها الطرفان ما يصبون إليه إنهاكا وتدميرا لكل الطاقات، والبنية التحتية، والموارد البشرية.
التوزيع الإقليمي للعنف..
من تابع فلم الصندوق الأسود الذي عرض على شاشة الجزيرة الفضائية يوم 2015/10/22 يؤمن بما لا يقبل الشك، أن الحراك العسكري الذي كان يرأسه المالكي لحزب الدعوة في ذلك الوقت لم يتحرك داخل العراق، وإنما تجاوزه، ليشمل لبنان والكويت، والمستهدف في الثاني لم يكن عراقيا بل كان أمير البلاد وقتها، وهذا يشير حقيقة إلى أجندات المالكي مدفوعة الثمن، وهي تأتي ضمن رد جميل الاستضافة على الأرض، ثم تصفية حسابات إيران مع الكويت بالوكالة.
وهذا الذي كشف عنه الوثائقي هو ما تم تنفيذه، وربما هناك عشرات العمليات التي اكتشفت خيوطها، ولم يستطع أصحابها تنفيذها آنذاك.
العمالة متعددة الجنسيات..
مما كشف عنه الفيلم أيضا ارتباطات المالكي بمحاولة مختلفة ومتفقة، الشيطان الأكبر وإيران، ثم إسرائيل وإيران، وكيف يمكن التوفيق بين عمالة كل هذه الأطراف.
المعادلة معقدة ومتراكبة ها هنا، فتوافق إيران وحماس لا ينكره أحد، وعداء أمريكا وإسرائيل لها واضح، وقد يكون تبادل الأدوار يفرض حالة من التوافقية الافتراضية التي تؤدي إلى مزيد من الغموض وفق ما حدث مع ذلك الأعرابي الذي سرقوا كل إبله، وعند سؤاله عما فعل قال: أوسعتهم سبا، وأودوا بالإبل، فإيران هنا قد استسمحت إسرائيل وسامحتها الثانية كذلك، في وصمها بأبشع عبارات التشنيع والشنار، من أجل أن تكتمل خيوط اللعبة، ومن ثم الوصول إلى مشتركات تجعل من الحرب الكلامية (النووي) الذي يمارسه الطرفان.
داعش المالكي..
داخليا انتهى دور المالكي بتاريخ 2014/6/10 وهو دخول داعش إلى مدينة الموصل واحتلالها بالكامل، وهزيمة جماعية مبرمجة لقطاعات الجيش المختلفة من رتبة فريق ولواء، إلى أصغر جندي في المدينة وقتها.
المالكي حينذاك لم يلتفت إلى تحذيرات أطلقتها عدة جهات، لكن المشكلة استعداد الرجل لتلك الجهات المحذرة، وعلى رأسها السيد مسعود البارزاني الذي ظهر في إحدى الفضائيات محذرا المالكي من وقت مبكر، لتحركات واسعة النطاق تقوم بها داعش، تستهدف احتلال نينوى، بل الأدهى من ذلك، رفض المالكي المساعدة التي كان يرغب الإقليم تقديمها في النطاق العسكري.
ثم إن المالكي دفع بأقرب المقربين له، من أجل خوض معركة الموصل، ولعل الأوامر التي صدرت لهذه الشخصيات بالانسحاب عن طريق رئيس الوزراء كانت القشة التي قصمت ظهر المالكي، وهي بداية تخلي إيران عن رجلها في العراق.
ثم تأتي قضية تصفية حسابات سابقة مع آل النجيفي، لتلقي بظلالها على المشهد من باب إحراجهم، ثم تقديمهم على أنهم المتسبب فيما جرى، وتحميلهم تبعات سنوات من التقاطع، كان مؤداها انهيار الجيش ودخول نينوى دونما قتال.
وداعش ستبقى مدينة للمالكي بما قدمه لهم، (بتعمد) إحراج أو بفعل حاشية القائد الضرورة الذي يخيل له جلساؤه أنه القائد الأوحد.
المالكي مثال الديمقراطية الأمريكية..
سؤال بدهي من أتى بالمالكي: أمريكا أم صندوق الانتخابات، أم إيران؟
الجواب: هم جميعا جاءوا بالمالكي أمريكا باحتلالها للعراق، وإيران بولائه لها، وصندوق الانتخابات (المحسوم) سلفا خصوصا في المناطق الجنوبية.
المالكي خلال عشر سنوات كان مقبولا أمريكيا وإيرانيا، ومرفوضا عراقيا، لكن القول الفصل في تلك الفترة للأمريكان.
أمريكا سوقت المالكي لفترة الحاجة، لإتمام عملية خططت لها من فترة، وهو بشخصيته البوليسية قادر على تنفيذ المخطط، الذي كان يهدف بالدرجة الأولى لإنهاك قوى بلد كان يحسب له حساب، وكان يمثل قوة لا يستهان بها.
الآن انتهى دور المالكي المقبول أمريكيا فيما سبق، ليبدأ عهد العبادي الذي يسير والحائط جنبا إلى جنب.