أفضت الخلافات الأخيرة على المعابر والأنفاق في
الغوطة الشرقية إلى اتفاق مبدئي بين فيلق الرحمن وجبهة
النصرة؛ على تخفيض أسعار المواد الغذائية والوقود مع قدوم فصل الشتاء، وتفشي الفقر بين الأهالي، وغياب الدعم عن هذه العائلات.
وكانت اتهامات قد وجهت إلى العديد من الكتائب العسكرية المسيطرة على
الأنفاق؛ باستغلال حاجة الأهالي، حيث تم رفع أسعار المواد الأساسية بشكل "فلكي"، حسب وصف الأهالي، حتى بات السكر والرز والزيت من رفاهيات الحياة في الغوطة.
وبحسب أبو محمد الغوطاني، فإن حفر الأنفاق والمعابر تم منذ ما يقارب الثمانية شهور، بين الغوطة الشرقية وحيي القابون وبرزة في دمشق، المهادنين للنظام، وتم الاتفاق على إدخال المواد الغذائية والوقود وحتى الكهربائيات من خلال هذه الأنفاق وبيعها للمدنيين بأسعار متفاوتة.
ويضيف لـ"
عربي21"؛ أن أول الأنفاق المفتتحة في الغوطة هو النفق الذي افتتحه لواء فجر الأمة، التابع للاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، بعدها بشهرين قام فيلق الرحمن بحفر نفق آخر، وبعد ذلك تهافتت الفصائل على إنشاء الأنفاق حتى بات كل فصيل تقريبا يسيطر على نفق، ويجلب من خلاله المواد الغذائية ويبيعها للأهالي بأرباح كبيرة.
وعلى سبيل المثال، كانت مادة البنزين تدخل إلى الكتائب بسعر 250 ليرة سورية لليتر الواحدن إلا أن سعر بيعها للمدنيين يصل إلى 3000 ليرة سورية، والسكر كان يصل بـ150 ليرة سورية ويباع بـ2500 ليرة سورية، الأمر الذي بات يثير غضب السكان الذين لا يملكون بالأصل ما يقيهم الجوع.
وانطلقت المظاهرات ضد هؤلاء العسكريين الذين يُتهمون باحتكار المواد الغذائية، حتى أن قائد فيلق الرحمن تعرض مرة للاعتداء من قبل متظاهرين في حمورية.
ويقول عمار كريم، وهو أحد المقربين من جبهة النصرة، إن الخلافات اندلعت بين الفصائل منذ أن تأسست الأنفاق، حيث تذرع كل فصيل بأن عناصره هم الأحق بالمساعدات، ولذلك عمد كل منها إلى رفع أسعار المواد الغذائية التي يتم بيعها للأهالي.
ويضيف كريم لـ"
عربي21": "في هذه الأثناء لم تكن النصرة قد سيطرت على أي نفق، إلا أنها كانت قد احتفظت بعلاقات ودية مع لواء فجر الأمة وأحد الألوية في حي برزة، لكنها مؤخرا شاركت بحفر نفق فيلق الرحمن، ومنذ شاركت الفيلق في النفق طالبته بخفض الأسعار للأهالي بسبب انتشار الفقر وضيق ذات اليد بينهم، الأمر الذي قوبل بالرفض القاطع من قبل فيلق الرحمن.
وقد تصاعدت حدة الخلافات بين النصرة والفيلق على خلفية النفق، لكن النصرة بالفعل خفضت الأسعار، وحصدت شعبية كبيرة بين الأهالي، بحسب كريم.
وحاولت النصرة أن تلغي الوساطات التي كانت قائمة في الغوطة، فعلى سبيل المثال، تكون للمصاب الذي له أقارب ينتمون لأي فصيل عسكري الأولوية في أن يتم إسعافه إلى برزة لتلقي العلاج، بينما يبقى المدني الذي لا أقارب عسكريين له في الغوطة.
وقد أثارت حملة تعاطف النصرة مع المدنيين غضب فيلق الرحمن وقام بحملة اعتقالات ضد عناصر النصرة، وبدورها النصرة اعتقلت بعض عناصر فيلق الرحمن، كما انتشرت حواجز للطرفين داخل الغوطة، وعمت الخلافات بين الكتائب بسبب أن تجارتها باتت خاسرة، لا سيما أن الكثيرين منهم يحتفظ بكميات كبيرة في المخازن.
ويضيف عمار في حديثه لـ"
عربي21"؛ أن المشكلة تم حلها عن طريق تدخل بعض المصلحين، وتنفيذ مبادرة النصرة بخفض الأسعار التي لوحظ أنها انخفضت فعلا بنسبة 80 في المئة. فبعد أن كان سعر البنزين 3000 ليرة سورية انخفض إلى 600 ليرة سورية، وانخفض سعر السكر من 3000 ليرة سورية إلى 900 ليرة سورية، كما انخفض سعر الأرز من 1000 إلى 450 ليرة سورية، والبرغل انخفض من 1500 إلى 450 ليرة سورية، أما الزيت فانخفض من 3000 إلى 750 ليرة سورية.
وقد أجبر هذا الأمر باقي الكتائب على تخفيض أسعارها أيضا؛ لأن الناس ستختار نفق النصرة لشراء موادها، بينما ستتكدس البضائع بشكل أكبر مما هي عليه في مخازن باقي الكتائب. ووعدت النصرة أيضا بأنها ستخفض الأسعار بشكل أكبر في الأيام القادمة.
وتسعى شخصيات الغوطة ووجهائها إلى تأسيس لجنة أطلق عليها اسم لجنة "نصرة المظلوم"، وهي مخصصة للبحث في قضايا ارتفاع الأسعار، كان من أبرز من يناقشون تأسيسها الشيخ عبد العزيز عيون الذي اغتيل أثناء توجهه للاجتماع على خلفية الخلاف بين النصرة وفيلق الرحمن بسبب الأسعار. وهي ليست المرة الأولى التي تنشب فيها خلافات بسبب الأنفاق ودخول المواد وتخزينها والسعر الذي تباع به. وفي ظل هذه الأوضاع يأمل الكثير من الأهالي في الغوطة بالحفاظ على مبادرة النصرة الأخيرة.