عكست أزمة رجل الأعمال الموالي للانقلاب،
صلاح دياب، مع النظام في
مصر، صورة عن مدى تنامي الخلاف بين معسكر
الدولة العميقة من جهة، ومعسكر الانقلاب بقيادة عبدالفتاح
السيسي من جهة أخرى، بحسب مراقبين ومحللين.
و"دياب" محبوس على ذمة التحقيق في قضايا فساد وتربح مالي، وحيازة أسلحة وذخيرة بدون ترخيص، وهو أحد أبرز
رجال الأعمال في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، ومؤسس جريدة المصري اليوم، ورئيس مجموعة "بيكو" للمشاريع والاستشارات والاستثمارات.
وأصدر النائب العام نبيل صادق قرارا مؤقتا الجمعة الماضي، بالتحفظ على أموال وممتلكات دياب، ورجل الأعمال محمود الجمال "صهر مبارك"، وشركائهما، على خلفية اتهامهم بقضايا استيلاء على المال العام وأراضي الدولة.
تكسير عظام
وقال مدير إدارة القانون الدولي والمعاهدات الدولية الأسبق، السفير إبراهيم يسري، إن "قضية دياب هي رسالة من النظام، للدولة العميقة ورجال أعمال مبارك الذين حاولوا تأسيس تكتل، بعيدا عن سلطة وسيطرة العسكر، مفادها أن لا أحد بعيدا عن المقصلة".
وأضاف لـ"
عربي21": "ما حدث لا يأتي في إطار مكافحة الفساد مطلقا، وإنما يندرج تحت سياسة تكسير العظام، وإخضاع الطرف الآخر، وخاصة إذا أخذنا في الاعتبار الطريقة التي تم بها القبض على دياب، والسماح بتصويرها؛ لتوصيل رسائل واضحة لزملائه المترقّبين".
وأكد يسري أن "المعركة قد اشتعلت بين الطرفين، وليس أمام رجال الأعمال سوى خيارين؛ إما الانصياع لابتزاز النظام، وتقديم المزيد من القرابين، أو الدخول في صراعات ممتدة لوقف تغول النظام عليهم".
الثور الأبيض
أما نائب رئيس حزب الوسط، رئيس لجنة الطاقة بمجلس الشعب السابق، حاتم عزام، فرأى أن لسان حال رجال الأعمال في مصر الآن هو "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض".
وقال لـ"
عربي21" إنه "بعد قمع جميع معارضيه؛ انتقل السيسي الآن إلى مؤيديه، وبدأ خطوة جديدة للقضاء على قطاع من حلفاء الأمس"، معتبرا أن ما يحدث "جزء من صراع خفي بين أجنحة العسكر والدولة العميقة داخل النظام الحالي؛ بدأ يطفو على السطح".
وعلل ما حدث بأن "السلطات الفاشية لا تكترث لشيء إلا لبقائها، وتفردها بالسلطة"، مضيفا أنه "ما زال أمام رجال الأعمال الكثير ليدفعوه مقابل السكوت عن فتح ملفاتهم القديمة الفاسدة".
وتوقع عزام أن "تحمل الأيام المقبلة؛ المزيد من الصدامات، أو الهروب بين حلفاء الانقلاب"، مؤكدا أن "نظام الانقلاب فشل فشلا ذريعا على جميع الأصعدة، وبدأ يبحث عن موارد جديدة لسد عجز الموازنة لديه".
رسالة قاسية
بدوره؛ قال الخبير الاقتصادي ممدوح الولي، إن "النظام أراد أن يبلغ رجال الأعمال رسالة قاسية بإرساله زوار الفجر إلى أحدهم، والقبض عليه كأحد اللصوص، مفادها أن عليكم الدفع بالتي هي أحسن".
وتوقع الولي في حديثه لـ"
عربي21" أن تشهد الأيام المقبلة "خروج رؤوس أموال، وتراجع رجال الأعمال عن التوسع في مشاريعهم، أو فتح مشاريع جديدة، وعزوف المستثمرين الأجانب عن الاستثمار في مصر، بسبب فتح ملفات تصفية الحسابات".
من جهته؛ قال رئيس غرفة الصناعات الكيماوية باتحاد الصناعات، شريف الجبلي: "لقد عبرنا عن موقف اتحاد الصناعات بشأن طريقة القبض على رجل الأعمال صلاح دياب، من خلال بيان واضح".
وأضاف لـ"
عربي21" أن "البيان أوضح أن إجراءات القبض على دياب، ونشر صور لتلك اللحظة؛ يعكس صورة سلبية تؤثر بالقطع على مناخ الاستثمار، ويسيء إلى كل مواطن مصري".
ويرى مراقبون أن نظام السيسي بدأ يفقد جميع موارده المادية، وتتراكم ديونه، وتضعف شوكته في الداخل، الأمر الذي يدفعه للتوجس من انقضاض رجال دولة مبارك العميقة عليه، على حد قولهم.